أَنَّ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- نَامَ عَن صَلَاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْهِم وَقَالَ: رَأَيْت كَذَا وَكَذَا.
وَهُوَ فِي رِوَايَةِ مَن لَمْ يُصَلَّ خَلْفَهُ إلَّا بِالْمَدِينَةِ كَأُمِّ الطُّفَيْلِ وَغَيْرِهَا، وَالْمِعْرَاجُ إنَّمَا كَانَ مِن مَكَّةَ باتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ .. فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَانَ رُؤَيا مَنَامٍ بِالْمَدِينَةِ .. مَعَ أَنَّ رُؤَيا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌّ، لَمْ يَكن رُؤَيا يَقَظَةٍ لَيْلَةَ الْمِعْرَاج.
وَقَد يَرَى الْمُؤمِنُ رَبَّهُ فِي الْمَنَامِ فِي صُوَرٍ مُتَنَوِّعَةٍ عَلَى قَدْرِ إيمَانِهِ وَيَقِينِهِ، فَإِذَا كَانَ إيمَانُهُ صَحِيحًا لَمْ يَرَهُ إلَّا فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ، وَإِذَا كَانَ فِي إيمَانِهِ نَقْصٌ رَأَى مَا يُشْبِة إيمَانَهُ، وَرُؤَيا الْمَنَامِ لَهَا حُكْمٌ غَيْرُ رُؤَيا الْحَقِيقَةِ فِي الْيَقَظَةِ، وَلَهَا تَعْبِيرٌ وَتَأْوِيل؛ لِمَا فِيهَا مِن الْأَمْثَالِ الْمَضْرُوبَةِ لِلْحَقَائِقِ.
وَقَد يَحْصُلُ لِبَعْضِ النَّاسِ فِي الْيَقَظَةِ أَيْضًا مِن الرُّؤْيَا نَظِيرُ مَا يَحْصُلُ لِلنَّائِمِ فِي الْمَنَامِ، فَيَرَى بِقَلْبِهِ مِثْل مَا يَرَى النَّائِمُ، وَقَد يَتَجَلَّى لَهُ مِن الْحَقَائِقِ مَا يَشْهَدُهُ بِقَلْبِهِ، فَهَذَا كلُّة يَقَعُ فِي الدُّنْيَا.
وَرُبَّمَا غَلَبَ أَحَدُهُم مَا يَشْهَدُهُ قَلْبُهُ، وَتَجْمَعُهُ حَوَاسُّهُ، فَيَظُنُّ أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ بِعَيْنَيِّ رَأسِهِ، حَتَّى يَسْتَيْقِظَ فَيَعْلَمَ أَنَّهُ مَنَامٌ.
وَرُبَّمَا عَلِمَ فِي الْمَنَامِ أَنَّهُ مَنَامٌ.
فَهَكَذَا مِن الْعُبَّادِ مَن يَحْصُلُ لَهُ مُشَاهَدَة قَلْبِيَّةٌ تَغْلِبُ عَلَيْهِ حَتَّى تُفْنِيَهُ عَن الشُّعُورِ بِحَوَاشهِ، فَيَظُنَّهَا رُؤَية بِعَيْنِهِ وَهُوَ غالط فِي ذَلِكَ. [٣/ ٣٨٦ - ٣٩٠]
١١٨٧ - مَن رَأَى اللهَ عزوجل فِي الْمَنَامِ: فَإِنَّهُ يَرَاهُ فِي صُورَةٍ مِن الصُّوَرِ بِحَسَبِ حَالِ الرَّائِي، إنْ كَانَ صَالِحًا رَآه فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ؛ وَلهَذَا رَآهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ.
وَالْمُشَاهَدَاتُ الَّتِي قَد تَحْصُلُ لِبَعْضِ الْعَارِفِينَ فِي الْيَقَظَةِ؛ كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ لَمَّا خَطَبَ إلَيْهِ ابْنَتَهُ فِي الطَّوَافِ: أَتُحَدِّثُنِي فِي النِّسَاءِ وَنَحْنُ نتَرَاءَى اللّهَ عز وجل فِي طَوَافِنَا؟ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ: إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمِثَالِ الْعِلْمِيِّ الْمَشْهُودِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute