للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والنفوس الزكيَّة ما يحمله على إطراق الرأس احترامًا وتقديرًا لأولئك الذين صنعوا تاريخ أمةٍ بأخلاقهم قبل علومهم، ولا شك عندي أنَّ القارئ عندما يستعرض سريعًا بعض أخلاقنا العلمية في هذا الزمان سيشعر بالخجل والتقزز لهذا الهبوط في مستوى الحوار العلمي وذاك الانحطاط في أحوال قلوب وأنفس المختلفين ....

١٠ - وإذا كانت هذه الموسوعة تعني في أصل وضعها بالمسائل التي قال بها جمهور العلماء والفقهاء فإنها في الوقت نفسه موسوعة جمعت في كتاب واحد كل عجيب وغريب من الأقوال الشاذة. والتي انفرد بها بعض أئمة أهل العلم من السَّلف الصالح رحمهم الله تعالى ليجد القارئ فيها إن شاء الله تعالى (أعني الموسوعة) كل شيقٍ وممتع ومفيد، ولتكون له مرجعًا في موسوعتين اثنتين إحداهما للفقه الغالب والمنتشر والأخرى للفقه النادر والمنفرد.

١١ - هذه الأقوال الشاذة التي أشرنا إليها لم نضعها في كتابنا لتكون في جملتها مذهبًا لأحدٍ، فهذا أمر طالما حذَّر العلماء منه ورغبوا عنه، وإنما هو أمر تقتضيه طبيعة الفقه المقارن والأمانة العلمية، وهو في الوقت نفسه رسالة غزيرة المعنى لأهل عصرنا .... نعم إن هذه الأقوال الشاذة التي انفرد بها عدد من فقهاء الصحابة والتابعين أو من جاء بعدهم والتي وصل بعضها في الغرابة والشذوذ حدًا بعيدًا.

أقول: إنَّ هؤلاء المنفردين بهذه الأقوال لو كانوا في عصرنا لوجدوا من أهل الجهالة والمتطفلين على علوم الدين قلبًا غليظًا، وصدرًا ضيقًا حرجًا, ولربما رموا أحدهم بما يستحيا من ذكره ويعف القلم عن سطره بينما تجد أهل الأعصر الأولى لا يزيد أحدهم وهو يورد قول المخالف المنفرد الشاذ. على أن يقول: "وهذا خطأ" أو "وهذا لا يصح" (١) أو نحو ذلك، ثم يواصل سرده العلمي ردًا واستدلًا غير ملتفتٍ لشخص هذا القائل المنفرد أو ذاته أو ذمته أو دينه وإنما كل جهده أن يفند القول بلاغًا لرسالة العلم وتأديةً لأمانته ....

١٢ - وإذا تحدَّثنا عن الأخلاق فلعلَّ من فوائد هذه الموسوعة المباركة أن تكون صلة وصلٍ بين سلف هذه الأمة الصالح وبن خلفها, ولعلها أن توقظ جيلنا الحاضر ليأخذ من سيرة


(١) وهذا هو الغالب في طريقة الرد على المخالفين في الأعصر الأولى، وهذا لا يمنع أن تكون هناك استثناءات لبعضهم في مسالةٍ من المسائل أو موقف من المواقف. فالعبرة في الغالب من الأخلاق لا النادر منها، فكل يخطئ ويصيب، وكل يُؤخذ منه ويرد عليه إلا من عصمه الله تعالى من الأنبياء والرسل، أو من تداركته عناية الله تعالى بعلم الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>