للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحفظ القرآن في حياة النّبي ، وقد روى البخاري: "أنّه بنى مسجدا بفناء داره فكان يقرأ فيه القرآن" (١)، وهو محمول على ما كان نزل منه إذ ذاك، وهذا مما لا يرتاب فيه مع شدّة حرص أبي بكر على تلقّي القرآن من النّبي ، وفراغ باله له وهما بمكة، وكثرة ملازمة كلّ منهما للآخر " (٢) اه.

قال الحافظ عماد الدين بن كثير كما عزاه له ابن الجزري في طبقاته:" أنا لا أشك أنّ الصّدّيق قرأ القرآن " (٣)، ثمّ قال:" وقد رأيت نصّ الإمام أبي الحسن الأشعرى رحمه الله تعالى على حفظه القرآن واستدلّ على ذلك بدليل لا يرد وهو أنّه صحّ عنه بلا نظر أنّه قال:" يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله وأكثر قرآنا " (٤)، وتواتر عنه أنّه قدّمه للإمامة، ولم يكن ليأمر بأمر ثمّ يخالفه بلا سبب، فلولا أنّ أبا بكر كان متّصفا بما يقدمه في الإمامة على سائر الصّحابة وهو القراءة لما قدّمه، وذلك على كلّ تقدير؛ سواء قلنا: المراد بالأقرأ الأكثر قراءة كما هو ظاهر اللّفظ، وذهب إليه الإمام أحمد وغيره، أو الأعلم كما ذهب إليه الإمام الشافعي وغيره، لأنّ زيادة العلم في ذلك العصر كان ناشئا عن زيادة القراءة كما فسر الإمام الشافعي:" كنّا إذا قرأناالآية لا نجاوزها حتى نعلم فيم أنزلت " (٥).

وهذا يدلّ على أنّه أقرأ الصّحابة، وليس ذلك بمنكر فإنّه أفضل الصّحابة مطلقا، وإن كنّا لا ندّعي له الأفضليّة في كلّ فرد فرد كما في سائر الفضائل كما ادّعاه غيرنا؛ بل


(١) البخاري ١/ ١٨١ (٤٦٤).
(٢) فتح الباري ٩/ ٥١.
(٣) غاية النهاية ١/ ٤٣١ وفيه:" وقد حدثني شيخنا الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير من لفظه، وقد دار بيننا الكلام في حفظه القرآن فقال: أنا لا أشك أنه قرأ القرآن … "، ثم ذكر النص بتصرف.
(٤) نص الحديث في صحيح مسلم ٢/ ١٣٣ (١٥٦٦):" يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأقدمهم قراءة فإن كانت قراءتهم سواء فليؤمهم أقدمهم هجرة فإن كانوا فى الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سنّا "، قلت: أما" وأكثرهم قرآنا "فلم أجده.
(٥) غاية النهاية ١/ ٤٣١، وهو بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>