للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا تخفيف الهمز ونحوه من الإدغام، وترقيق الرّاءات فمتواتر قطعا معلوم أنّه منزّل من الأحرف السّبعة، ومن لغات العرب الذين لا يحسنون غيره، وكيف يكون غير متواتر وقد اجتمع القرّاء على الإدغام في نحو ﴿أَثْقَلَتْ دَعَوَا﴾، و ﴿ما لَكَ لا تَأْمَنّا﴾، و ﴿مُدَّكِرٍ﴾ (١)؟، وعلى تخفيف الهمز في نحو: ﴿آلذَّكَرَيْنِ﴾ (٢)، ﴿آللهُ﴾ في الاستفهام!، وعلى النقل في: ﴿لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي﴾ (٣)؟، وعلى التّرقيق في نحو:

﴿فِرْعَوْنَ﴾ (٤)، و ﴿مِرْيَةٍ﴾ (٥)؟، وعلى التّفخيم في اللاّمات من اسم الجلالة بعد فتح أو ضم؟، فكيف يكون ما أجمع عليه القرّاء أمما بعد أمم غير متواتر على الإطلاق … ؟، فما الذي يكون متواترا؟!، أقصر ﴿الم﴾، و ﴿دَابَّةٍ﴾، و ﴿أُولئِكَ﴾ الذين لم يقرأ بهم أحد من النّاس؟، أم تحقيق همز: ﴿آلذَّكَرَيْنِ﴾، ﴿آللهُ﴾ الذي أجمع النّاس على أنّه لا يجوز وأنّه لحن؟، أو إظهار ﴿مُدَّكِرٍ﴾ الذي أجمع الصّحابة والمسلمون على كتابته وتلاوته بالإدغام؟.

فليت شعري من الذي تقدّم هذا القائل بهذا القول فقفى أثره؟، والظّاهر أنّه لمّا سمع النّاس يقولون: "التّواتر فيما ليس من قبيل الأداء"، ظنّ أنّ المدّ والإمالة وتخفيف الهمز ونحوه من قبيل الأداء فقال ذلك، وإلاّ فلو فكر فيه/لما أقدم عليه، ولو وقف على كلام إمام الأصوليين أبي بكر بن أبي الطيب الباقلاني في (الانتصار) حيث قال: جميع ما قرأ به قرّاء الأمصار كما اشتهر عنهم واستفاض نقله ولم يدخل في حكم الشذوذ من همز وإدغام ومدّ وتشديد، وحذف وإمالة، وإبدال أو ترك ذلك كلّه أو شيء منه، أو تقديم أو تأخير فإنّه كلّه منزل من عند الله ، وممّا وقف الرّسول على صحّته وخيّر بينه وبين غيره، وصوّب جميع القراءة به، قال:


(١) الأعراف: ١٨٩، يوسف: ١١، القمر: ١٥، ١٧، ٢٢، ٣٢، ٤٠، ٥١.
(٢) الأنعام: ١٤٣، ١٤٤.
(٣) الكهف: ٣٨.
(٤) كما في البقرة: ٤٩، ٥٠.
(٥) هود ١٧، ١٠٩، الحج: ٥٥، السجدة: ٢٣، فصلت: ٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>