للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن القاصح في (المصطلح): "وأجمع على ضمّ التّاء" (١)، يعني للقرّاء الذين جمعهم فيه أبو جعفر ويعقوب وخلف، وابن محيصن والحسن والأعمش، فأمّا قراءة الجمع هنا: فيحتمل أن يكون مفعول ﴿أَخَذَ﴾ محذوفا لفهم المعنى، و ﴿ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ بدل من ﴿ظُهُورِهِمْ﴾ كما أنّ ﴿مِنْ ظُهُورِهِمْ﴾ بدل من ﴿بَنِي آدَمَ﴾، والمفعول المحذوف هو: الميثاق، لقوله - تعالى - ﴿وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً﴾ (٢) وتقدير الكلام: وإذ أخذ ربك/من ظهور ذريات بني آدم ميثاق التّوحيد، واستعار أن يكون أخذ الميثاق من الظّهر، كأنّ الميثاق لصعوبته و [صعوبة] (٣) الارتباط به شيء ثقيل يحمل على الظّهر، وأمّا قراءة الإفراد فيتعيّن أن يكون ﴿ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ مفعولا ب ﴿أَخَذَ﴾ وهو على حذف مضاف، أي: ميثاق ذريتهم، يعني أنّه لم يجز فيه ما جاز في «ذرّيّاتهم» من أنّه بدل والمفعول محذوف، وذلك واضح لأنّ من قرأ «ذريتهم» بالإفراد لم يقرأه إلاّ منصوبا، ولو كان بدلا من «هم» في ﴿ظُهُورِهِمْ﴾ لكان مجرورا بخلاف «ذرياتهم» بالجمع، فإنّ الكسرة تصلح أن تكون علامة للجر والنّصب في جمع المؤنث السالم قاله في (الدر) (٤).

والمعنى: "أخرج الله من أصلابهم نسلهم على ما يتوالدون قرنا بعد قرن، وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟، أي: نصب لهم دلائل ربوبيته وركّب في عقولهم ما يدعوهم إلى الإقرار بها حتى صاروا بمنزلة من قيل [لهم] (٥): ألست بربكم؟، قالوا: بلى، فنزّل تمكينهم من العلم بها وتمكنهم منه منزلة الإشهاد والاعتراف على طريقة التّمثيل، ويدلّ عليه قوله - تعالى - ﴿قالُوا بَلى شَهِدْنا﴾ " (٦)،


(١) مصطلح الإشارات: ٥٠١.
(٢) النساء: ١٥٤، الأحزاب: ٧.
(٣) زيادة يقتضيها السياق.
(٤) الدر المصون ٥/ ٥١٢.
(٥) زيادة من تفسير البيضاوي يقتضيها السياق.
(٦) تفسير البيضاوي ٣/ ٧١، ما عليه الجمهور أن المراد هو الميثاق الأول، ابن عطية ١/ ١٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>