للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأخذ عن أستاذ يوقفه على حقيقة ذلك مع تماديه على تحريف ألفاظ القرآن فهو عاص بلا شك، وآثم بلا ريب، إذ صيانة جميع حروف القرآن عن التّبديل والتّحريف واجبة لا يقال: إنّ وجوب التّجويد على القارئ مقصور على ما يلزم المكلف قراءته من المفروضات، لأنّا نقول: لا رخصة في تغيير لفظ منه، وقد قال الله مخاطبا/ لرسوله خصوصا، ولأمته عموما: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾ (١) فلم يقتصرسبحانه على الأمر بالفعل حتى أكده بالمصدر اهتماما به وتعظيما له، ليكون عونا على تدبّر القرآن وتفهمه، وكذلك كان يفعل، وقد نعتت أم سلمة قراءته فقالت: "قراءة مفسرة حرفا حرفا" رواه الترمذي (٢)، وقالت عائشة: "كان يقرأ السّورة حتى تكون أطول من أطول منها" (٣)، وقال البراء: "كان يقرأ في العشاء «والتين والزيتون»، فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه" متفق عليه (٤)، فقد كانت قراءته ترسلا، لا هذّا ولا عجلة، بل قراءة مفسّرة حرفا حرفا، وكان يقطّع قراءته آية آية، ويمدّ عند حروف المدّ، وكان يتغنى بقراءته، ويرجع صوته بها أحيانا، وقد روينا عن ابن مسعود موقوفا: جوّدوا القرآن وزيّنوه بأحسن الأصوات، وأعربوه فإنّه عربي والله يحب أن يعرب به وفي صحيح ابن خزيمة من حديث زيد بن ثابت مرفوعا:" إنّ الله يحب أن يقرأ القرآن كما أنزل " (٥)، وقد كان عبد الله بن مسعود ممن أعطي في تجويد القرآن وتحقيقه وترتيله حظا عظيما، والشّاهد لذلك قوله :" من أحبّ أن يسمع القرآن غضّا كما أنزل فليسمع قراءة ابن أم عبد " (٦)، يعني ابن مسعود،


(١) المزمل: ٤.
(٢) أخرجه أحمد ٦/ ٢٩٤، البخاري في خلق أفعال العباد (٢٣)، وأبو داود (١٤٦٦)، والترمذي (٢٩٢٣)، والنسائي ٢/ ١٨١، وقال الترمذي حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد عن ابن أبي مليكة عن يعلى عن أم سلمة، وقال الألباني ضعيف.
(٣) أخرجه مالك في الموطأ: ١٠٤، وأحمد ٦/ ٢٨٥، ومسلم ٢/ ١٦٤ (١٢١٢).
(٤) البخاري ٩/ ١٩٤ (٧٥٤٦) باب قول النبي : الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة.
(٥) أخرجه أبو بكر السجزي في الإبانة عن زيد بن ثابت، وهو في كنز العمال (٣٠٦٩).
(٦) الحديث:" من سره أن يقرأ القرآن غضّا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد "أخرجه -

<<  <  ج: ص:  >  >>