للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رياضة القارئ وتدبره بفكه" (١).

وأنت إذا/تأملت ما صحّ وثبت من عرضه القرآن على جبريل كلّ عام مرة، وفي عام وفاته مرتين، مع ما روي من قراءته على أبيّ بن كعب: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ … السّورة (٢)، وضح لك مشروعية القراءة على المشايخ، وأخذ الألفاظ عنهم بطريق المشافهة، فهو إنّما قرأ على أبيّ ليعلّمه طريق التّلاوة وترتيلها، على أي صفة تكون قراءة القرآن، ليكون ذلك سنّة في الإقراء والتّعليم، وقد وقع الأمر كذلك؛ فإنّ الصّحابة الآخذين للقرآن عنه عرض بعضهم على بعض، ثمّ وقع كذلك للتّابعين وأتباعهم، حتى اتّصل الأمر إلينا، مسلسلا متواترا، فمن ابتدع واجتزأ بما تعلم من الكتب فقد أساء وخالف، وربما وقع في أمر عظيم، وخطر جسيم، والله أسأل العفو والعافية، وسلوك سواء السبيل.

وفي (شرح البخاري) للبرماوي (٣) في معنى مدارسة جبريل للنبي : "أنّ معناه:

تعلم مخارج الحروف، وكيفية النّطق بها"، وكذلك قال الكرماني، وعبارته: "وفائدة درس جبريل تعليم الرّسول تجويد لفظه، وتصحيح إخراج الحروف من مخارجها، وليكون سنّة في حقّ الأمّة، كتجويد التّلامذة على الشّيوخ قراءاتهم" (٤)، انتهى.

ولا مرية أنّه كما يتعبد بفهم معاني القرآن وإقامة حدوده، يتعبد بتصحيح ألفاظه، وإقامة حروفه على الصّفة المتلقاة من أئمة القرّاء، ومشايخ الإقراء، المتّصلة بالحضرة النّبويّة الأفصحية العربية، التي لا يجوز مخالفتها ولا العدول عنها، فمن أنف عن


(١) التحديد: ٨٤.
(٢) متفق عليه: البخاري ٤/ ١٨٩٦، (٤٦٧٦)، ومسلم ١/ ٥٥٠ (٧٩٩).
(٣) محمد بن عبد الدائم بن موسى العسقلاني البرماوي، عالم بالفقه والحديث، ولد سنة ٧٦٣ هـ، ألف اللامع الصبيح على الجامع الصحيح، والفوائد السنية شرح الألفية، مات سنة ٨٣١ هـ، الأعلام ٦/ ١٨٩، البدر الطالع ٢/ ١٨١.
(٤) الكواكب الدراري، شرح الكرماني ١/ ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>