للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنبّه مريد التّجويد على اجتناب أمور ربما يتوهم أنّها المعول عليها في التّجويد، محذرا من ارتكابها، إذ هي خارجة عن حدّ التّجويد منافية له، معدودة من اللحن الجلي والخفي، وهي: الإفراط في مدّ حروف المدّ، وهي: تجاوز الحدّ، ومدّ ما لا مدّ فيه، كواو ﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ (١) وصلا، والمبالغة في تشديد الهمزة إذا وقعت بعد حرف المدّ، مبالغة في تحقيقها وبيانها، ولوك الحرف: نحو كلام السّكران، فإنّه لاسترخاء لسانه وأعضائه بسبب السّكر تذهب فصاحة كلامه وبيانه (٢).

وقد روي عن نافع أنّه قال: "قراءتنا قراءة أكابر الصّحابة سهل جزل لا تمضغ ولا تلوك"، والمبالغة في نبر الهمزة وضغط صوتها حتى تصير كصوت المهتوع، وهو المتقيء، فإذا أخرج الحرف من مخرجه وأعطاه حقّه من الصّفات على وجه العدل، من غير إفراط ولا تفريط فقد وزنه بميزانه.

وقد رووا عن حمزة إمام المحقّقين أنّه قال لبعض من سمعه يبالغ في الإفراط:

"أمّا علمت أنّه ما كان فوق الجعودة (٣) فهو قطط (٤)، وما كان فوق البياض فهو برص، وما كان فوق القراءة فليس بقراءة" (٥).

فوزن الحرف محررا عسر، ومشافهة الشّيخ توضّح طريقه، وإدمان الرّياضة تصيّره طبيعة وسليقة، ولله در شيخ مشايخنا العلاّمة ابن الجزري حيث قال: "ولا أعلم سببا لبلوغ نهاية الإتقان والتّجويد، ووصول غاية التّصحيح والتّسديد مثل رياضة الألسن، والتّكرار على اللفظ الملتقي من فم المحسن" (٦)، وما أحسن قول إمام هذا الفن الحافظ أبي عمرو الدّاني، حيث يقول: "ليس بين التجويد وتركه إلاّ


(١) الفاتحة: ٤.
(٢) التحديد في التجويد: ٨٤.
(٣) جعد الشعر وغيره اجتمع وتقبض والتوى وقصر، المعجم الوسيط ١/ ١٢٥.
(٤) القطط: يقال شعر قطط قصير جعد، المعجم الوسيط ٢/ ٧٤٥.
(٥) غاية النهاية ١/ ٢٦٢.
(٦) النشر ١/ ٢١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>