للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معمر: "ما أذن لنبي حسن الصّوت"، وهذا اللفظ عند مسلم من رواية محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة، وعند أبي داود والطحاوي من رواية عمرو بن دينار عن أبي سلمة عن أبي هريرة: "حسن التّرنّم بالقرآن"، قال الطّبري: "والتّرنم لا يكون إلاّ بالصّوت، إذا حسّنه القارئ وطرّبه"، قال: "ولو كان معناه: الاستغناء، لما كان لذكر الصّوت ولا لذكر الجهر معنى"، وأخرج ابن ماجه، وصحّحه ابن حبّان والحاكم، من حديث فضالة بن عبيد مرفوعا: "لله أشد أذنا أي استماعا للرجل الحسن الصّوت بالقرآن، من صاحب القينة" (١)، والقينة: المغنيّة، وقال عمر بن شبّة:

ذكرت لأبي عاصم النّبيل تفسير ابن عيينة فقال: لم يصنع شيئا، حدّثني ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير (٢)، قال: "كان داود يتغنى"، يعني: حين يقرأ، ويبكي ويبكي، وعن ابن عباس: "أنّ داود كان يقرأ الزّبور بسبعين لحنا، ويقرأ قراءة يطرب منها المحموم، وكان إذا أراد أن يبكي نفسه لم تبق دآبة في برّ ولا بحر إلاّ أنصتت له، واستمعت، وبكت"، وبالجملة: فليس ما فسّره ابن عيينة بمدفوع، وإن كانت ظواهر الأخبار ترجّح أنّ المراد: تحسين الصّوت، ويؤيده قوله: "يجهر به"، ويمكن الجمع بين أكثر التّأويلات المذكورة، وهو أنّه يحسن به صوته، جاهرا به، مترنما على طريق التّحزّن، مستغنيا به عن الأخبار، طالبا به غني النّفس، راجيا به غنى اليد، ولا شك أنّ النّفوس تميل إلى سماع القراءة بالتّرنم، لأنّ للتّطريب تأثيرا في رقة القلب وإجراء الدّموع، لأنّ ذلك سبب الرّقة، وإثارة الخشية، وإقبال النّفوس على استماعه/، وكان


(١) ابن ماجه ٢/ ٣٦٤ (١٣٤٠)، مسند أحمد ٦/ ١٩ (٢٣٩٩٢) وقال الأرناؤوط: إسناده ضعيف لانقطاعه، ابن حبان ٣/ ٣١ (٧٥٤)، السنن الكبرى ١٠/ ٢٣٠ (٢١٥٨٢)، الحاكم في المستدرك ١/ ٧٦٠ (٢٠٩٧)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، سنن ابن منصور ٢/ ٤٠٥ (١٣٠)، المعجم الكبير ١٣/ ٢٣٦ (١٥١٦٨)، والألباني في الضعيفة ٦/ ٤٦٩ (٢٩٥١).
(٢) عبيد بن عمير بن قتادة، أبو عاصم الليثي المكي، وردت عنه الرواية عن عمر بن الخطاب وأبي بن كعب، روى عنه مجاهد وعطاء، مات سنة ٧٤ هـ، الغاية ١/ ٤٩٦، السير ٤/ ١٥٦، أسد الغابة ٣/ ٣٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>