للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذهب القاضي أبو يوسف (١) صاحب أبي حنيفة رحمهما الله - تعالى -، إلى أنّ تقدير الموقوف عليه من القرآن بالتّام والكافي والحسن والقبيح، وتسميته بذلك بدعة، ومسمّيه ومعتمد الوقف على نحوه مبتدع، قال: لأنّ القرآن معجز، وهو كلّه كالقطعة الواحدة، وبعضه قرآن معجز تام حسن، كما أنّ كلّه تام حسن.

وأجيب: بأن الأمر ليس كما زعم، لأنّ الكلمة الواحدة ليست من الإعجاز في شيء، وإنّما المعجز الرّصف العجيب، والنّظم الغريب، وليس ذلك في بعض الكلمات، وأمّا قوله: "إن بعضه تام حسن/كما أنّ كله تام حسن فغير مسلم؛ لأنّه إذا قال القارئ: ﴿إِذا جاءَ﴾ ووقف فليس بوقف تام، بل يحتمل أن يكون أراد القائل: إذا جاء فلان، أو غير ذلك ممّا هو موجود في كلام البشر، فإذا اجتمع وانتظم وامتاز ظهر ما فيه من الإعجاز، انتهى.

وأعلم أنّ التّام كما يوقف عليه يبتدأ بلاحقه، ويكون بعد تمام الكلام والفواصل، وانقضاء القصص والأخبار، وقد يكون قبل انقضاء الفاصلة نحو: ﴿وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً﴾ (٢)، هذا انقضاء حكاية بلقيس، ثمّ قال تعالى: ﴿وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ (٣) رأس الآية، وقد تكون في وسطها، نحو: ﴿لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي﴾ (٤)، وقد يكون بعد انقضاء الفاصلة بكلمة، كقوله: ﴿لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً * كَذلِكَ﴾ (٥)، آخر الفاصلة: ﴿سِتْراً﴾، والتّام ﴿كَذلِكَ﴾.

وقد يكون تاما على قراءة، حسنا على غيرها، نحو: ﴿إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ﴾


(١) يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي، أبو يوسف، ناشر مذهب أبي حنيفة، ولد سنة ١١٣ هـ، ولي القضاء ألف كتاب الخراج، والآثار وغيرهما، مات سنة ١٨٢ هـ، الأعلام ٨/ ١٩٣، تاريخ بغداد ١٤/ ٢٤٢.
(٢) النمل: ٣٤.
(٣) النمل: ٣٤.
(٤) الفرقان: ٢٩.
(٥) الكهف: ٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>