للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحمل الجمهور الأمر هنا على النّدب، مستدلين بحديث المسيء صلاته (١)، فإنّه لمّا علّمه الواجبات لم يذكر له التّعوّذ، وتأخّر البيان عن وقت الحاجة غير جائز.

لكن لقائل أن يقول: إنّ ذلك الخبر غير مشتمل على بيان جملة واجبات الصّلاة، فلم يلزم من عدم ذكر الاستعاذة له عدم وجوبها، وقال بعضهم: "موضع الخلاف إنّما هو في الصّلاة خاصة، أمّا في غيرها فسنّة غير واجب قطعا"، وقال آخرون: "كانت فرضا على النّبي ثمّ تأسينا نحن به" (٢)، انتهى.

والظّاهر أنّ الاستعاذة تعقب القراءة، وقد روى ذلك بعض الرّواة عن حمزة، وعن ابن سيرين أنّه قال: "كلّما قرأت الفاتحة حين تقول:" آمين "، فاستعذ"، وكذا روي عن أبي هريرة والنّخعي عملا بهذا الظّاهر (٣).

والفاء تقتضي الترتيب، لا سيّما إذا كانت جوابا للشّرط، لأنّ الجواب متأخر عن الشّرط، فوجب أن تكون الاستعاذة متأخرة عن القراءة.

قالوا: ولا يجوز أن يكون المراد من قوله: ﴿فَإِذا قَرَأْتَ﴾ أي إذا أردت، كما في قوله: ﴿إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا﴾ (٤) والمعنى: إذا أردتم القيام، لأنّه لم يقل:

فإذا صلّيتم فاغسلوا حتى يكون نظير قوله: ﴿فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ﴾، ولئن سلّمنا كون هذه الآية نظير تلك فنقول: نعم، إذا قام يغتسل عقب قيامه إلى الصّلاة، لأنّ الأمر إنّما ورد بالغسل عقب قيامه، وأيضا فالإجماع دلّ على ترك هذا الظّاهر وإذا ترك الظّاهر في موضع لدليل، لا يوجب تركه في سائر المواضع لغير ذلك (٥)، وكذا روي عن مالك وداود، واستغربه القاضي أبو بكر بن العربي عن مالك ثمّ قال: "وهذا قول


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري ١/ ٢٦٣ (٧٢٤)، ومسلم ١/ ٢٩٨ (٣٩٧).
(٢) مفاتيح الغيب ١/ ٦٧، والنقل بتصرف.
(٣) البحر المحيط ٦/ ٤٣٦.
(٤) المائدة: ٦.
(٥) مفاتيح الغيب ١/ ٦٧، والنقل بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>