للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهم والحزن" (١)، و"أعوذ بالله من جهد البلاء" (٢)، وكذلك سائر عوذه التي قالها وأمر بها، وكذلك أمره أن يقول: ﴿أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ (٣)، ﴿أَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ﴾ (٤) دون «أستعيذ».

فإن قلت: فكيف جاء امتثال هذا الأمر في السّورتين بلفظ الأمر والمأمور جميعا فأمره الله أن يقول: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾، ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ﴾ فقال: "قل أعوذ والمأمور به إنّما هو قول/الاستعاذة لا قول الأمر كما إذا قال: "قل سبحان الله" ثلاثا وثلاثين فإنه يقول: "سبحان الله ولا يقول: "قل سبحان الله فالجواب:

أن هذا السؤال هو الذي أورده أبيّ بن كعب على النّبي ، وأجابه عنه كما في صحيح البخاري (٥) عن زر قال: سألت أبيّ بن كعب عن المعوذتين فقال: سألت رسول الله فقال: قيل لي فقلت، فنحن نقول كما قال ، وفي رواية له أيضا عن أبي ذر قال: "سألت أبيّ بن كعب قلت: أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا، فقال: إني سألت رسول الله فقال: قيل لي، فقلت قل فنحن نقول كما قال رسول الله ومفعول القول محذوف تقديره: قيل لي: ﴿قُلْ﴾، أو قيل لي هذا اللفظ فقلت كما قيل لي، وتحت هذا من السر أن النّبي ليس له في القرآن إلاّ إبلاغه ولم ينشئ من قبل نفسه حرفا واحدا منه بل هو المبلغ له عن الله - تعالى -، وقد قال الله - تعالى - له: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ فمقتضى البلاغ التّام أن: يقول: " ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ كما قال الله - تعالى - وهذا هو المعنى الذي أجاب به بقوله: "قيل لي فقلت": أي لست مبتدءا بل مبلغا أقول كما يقال لي، وأبلّغ كلام ربي كما أنزله، فهذا الحديث أدلّ دليل على أنّه بلغ القول الذي أمر بتبليغه على وجهه ولفظه، حتى


(١) متفق عليه: أخرجه البخاري (٣/ ١٠٥٩، رقم ٢٧٣٦)، ومسلم (٤/ ٢٠٧٩، رقم ٢٧٠٦).
(٢) متفق عليه: أخرجه البخارى (٦/ ٢٤٤٠، رقم ٦٢٤٢)، ومسلم (٤/ ٢٠٨٠، رقم ٢٧٠٧).
(٣) الفلق: ١.
(٤) الناس: ٢.
(٥) البخاري من الفتح ٨/ ٧٤١ (٤٩٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>