للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مطابق للفظالآية، وقول الجوهري:" عذت بفلان، واستعذت به، أي لجأت إليه " (١)؛ فتعقبه ابن الجزري بما رأيته في تفسير أبي أمامة بن النّقّاش، ومن خطه نقلت، وهو أنّه قال:" بيان الحكمة التي لأجلها لم تدخل السّين والتّاء في فعل المستعيذ الماضي والمضارع، وقد قيل له: "استعذ"، بل لا يقول إلاّ «أعوذ»، دون «أستعيذ»، و «أتعوذ»، و «استعذت»، و «تعوذت»، وذلك: أنّ السّين والتّاء شأنهما الدّلالة على الطّلب فوردتا في الأمر، إيذانا بطلب التّعوذ، فمعنى «استعذ بالله»: اطلب منه أن يعيذك، فامتثال الأمر هو أن يقول: "أعوذ بالله"، لأنّ قائله متعوّذ، ومستعيذ، قد عاذ والتجأ، والقائل:

"أستعيذ بالله" ليس بعائذ، إنّما هو طالب العياذ به، كما يقول: "استخير الله"، أي اطلب خيرته، و «استقيله» أي: أطلب إقالته، واستغفره، اطلب مغفرته، فدخلت في فعل الأمر، إيذانا بطلب هذا المعنى من المعاذ به، فإذا قال المأمور: "أعوذ بالله"، فقد امتثل ما طلب منه، فإنه طلب منه نفس الاعتصام والالتجاء، وفرق بين الاعتصام وبين طلب ذلك، فلما كان المستعيذ هاربا ملتجئا معتصما، أتى بالفعل الدّال على طلب ذلك (٢)، فتأمله.

قال: والحكمة التي لأجلها امتثل المستغفر، الأمر بقوله: "استغفر الله" أنّه طلب منه أن يطلب المغفرة التي لا تتأتى إلاّ منه بخلاف العياذ واللّجأ والاعتصام، فامتثل الأمر بقوله: أستغفر الله أي أطلب منه أن يغفر لي " (٣)، انتهى.

وقال ابن القيّم:" القائل: "أستعيذ بالله" مخبر عن طلبه وسؤاله، والقائل: "أعوذ بالله" مخبر عن حاله ولجائه واعتصامه بربه، وهذا أكمل حالا، ولهذا إنّما جاء عن النّبي امتثال هذا الأمر بلفظ: "أعوذ بالله من عذاب حميم" (٤)، و"أعوذ بالله من


(١) الصحاح ٢/ ٥٦٦ مادة (عوذ).
(٢) النشر ١/ ٢٤٧.
(٣) النشر ١/ ٢٤٧.
(٤) بدائع الفوائد ٢/ ٤٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>