للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالحذف منزّل على ما إذا كان الثّاني غير مدغم، وزيادة المدّ محمولة على ما إذا كان السّاكن الثّاني مدغما، وإن كان صحيحا حرك (١)، هذا هو الأصل، ثمّ خصّوا الوقف فجوزوا فيه التقاء السّاكنين مطلقا، وعلّلوه بكونه عارضا فحصل من قاعدتهم أنّه لا يجمع بين ساكنين، والأوّل: صحيح في الوصل.

وقد ثبت عن القرّاء اجتماعهما على هذه الصّفة فخاض فيها مبتدع مفنّد وضعيف مقلّد، اعتقادا منه أنّ ما خالف قاعدتهم لا يجوز فمنع بجهله إدغام الباب نحو: ﴿الْعِلْمِ ما﴾، و ﴿الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾، و ﴿نِعِمّا﴾ (٢)، فتحير معلّلو القراءات وتخيّل منها ناقلوا الرّوايات.

والجواب: إنّا لا نسلّم أنّ ما خالف قاعدتهم غير جائز بل غير مقيس، وما خرج عن القياس إن لم يسمع فهو لحن، وإن سمع فهو شاذ قياسا، ولا يمتنع وقوعه في القرآن.

وإن سلّمنا أنّ ما خالفها غير جائز فهذه الصّورة ملحقة بالموقوف عليه، لأنّه لا فرق بين السّاكن للوقف والساكن للإدغام، بجامع قصد الخفّة.

ثمّ نعود ونقول: دعواهم عدم جوازه وصلا ممنوع، وعدم وجدان الشيء لا يدل على عدم وجوده في نفس الأمر، فقد سمع التقاؤهما وصلا من أفصح العرب، بل أفصح خلق الله على الإطلاق فيما يروى: "نعمّا المال الصالح للرجل الصالح" (٣)، قاله أبو عبيد (٤) واختاره، وحكى الكوفيون سماعا من العرب: «شهر


(١) يقصد أن الساكن قبل المدغم يحرك مثل: "بعد ذلك".
(٢) (كما في: البقرة: ١٢٠، الرعد: ٣٧، مريم: ٤٣)، (مريم: ٢٩)، (النساء: ٥٨)، على الترتيب.
(٣) أخرجه أحمد (٤/ ٢٠٢، رقم ١٧٨٣٥)، والحاكم (٢/ ٣، رقم ١٣٠) وقال: صحيح على شرط مسلم. وأبو يعلى (١٣/ ٣٢١، رقم ٧٣٣٦)، والبيهقي فى شعب الإيمان (٢/ ٩١، رقم ١٢٤٨). وأخرجه أيضا: الطبراني فى الأوسط (٣/ ٢٩١ رقم ٣١٨٩)، وأشار له الألباني بالصحة في تخريج مشكلة الفقر، وغاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام (٤٥٤).
(٤) البحر المحيط ٢/ ٣٢٤، الدر المصون ٢/ ٦٠٩، النشر ٢/ ٢٣٦، غريب الحديث: ١٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>