للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ حُجَّةُ اللهِ عَلَى جَمِيعِ عِبَادِهِ بِخِلَافِ رَاي الْعَالِمِ.

فَإِذَا جَاءَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِيهِ تَحْلِيل أَو تَحْرِيمٌ أَو حُكْمٌ: فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ التَّارِكَ لَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ ألَّذِينَ وَصَفْنَا أَسْبَابَ تَرْكِهِمْ يُعَاقَبُ (١)؛ لِكَوْنِهِ حَلَّلَ الْحَرَامَ أَو حَرَّمَ الْحَلَالَ؛ أَو حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ.

وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي الْحَدِيثِ وَعِيدٌ عَلَى فِعْلٍ: مِن لَعْنَةٍ أَو غَضَبٍ أَو عَذَابٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا يَجُوز أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذَلِكَ الْعَالِمَ الَّذِي أَبَاحَ هَذَا أَو فَعَلَهُ دَاخِل فِي هَذَا الْوَعِيدِ. وَهَذَا مِمَّا لَا نَعْلَمُ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِيهِ خِلَافًا.

وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" (٢) عَن عَمْرِو بْنِ العاص - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَة أَجْرٌ" فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ مَعَ خَطَئِهِ لَهُ أَجْرٌ؛ وَذَلِكَ لِأَجْلِ اجْتِهَادِهِ وَخَطَؤُهُ مَغْفُورٌ لَهُ.

بِخِلَافِ الَّذِينَ أَفْتَوْا الْمَشْجُوجَ فِي الْبَرْدِ بِوُجُوبِ الْغَسْلِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: "قَتَلُوهُ قَتَلَهُم اللهُ، هَلَّا سَأَلوا إذَا لَمْ يَعْلَمُوا؟ إنَّمَا شِفَاءُ الْعَيِّ السُّؤَالُ" (٣)، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَخْطَؤوا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ؛ إذ لَمْ يَكُونُوا مِن أَهْلِ الْعِلْمِ (٤).

وَكَذَلِكَ لَمْ يُوجِبْ عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَوَدًا وَلَا دِيَةً وَلَا كَفارَةً لَمَّا قَتَلَ الَّذِي قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللهُ فِي غَزْوَةِ الْحُرَقَاتِ، فَإِنَّهُ كَانَ مُعْتَقِدًا جَوَازَ قَتْلِهِ بِنَاءً عَلَى أنَّ هَذَا الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِصَحِيح، مَعَ أَنَّ قَتْلَهُ حَرَامٌ.

وَعَمِلَ بِذَلِكَ السَّلَفُ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فِي أَن مَا اسْتَبَاحَهُ أَهْلُ الْبَغْيِ مِن


(١) ولا يجوز أنْ يُقدح به، ولا أن يُغتاب ويُتّهمَ في نيّتِه والعياذ بالله تعالى.
(٢) البخاري (٧٣٥٢)، ومسلم (١٧١٦).
(٣) رواه الإمام أحمد (٣٠٥٦)، وابن ماجه (٥٧٢)، وأبو داود (٣٣٧)، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (٤٣٦٢).
(٤) فمن اجتهد في الدين بغير علم مع قدرته تحصيل العلم فهو آثم وإن أصاب، كما قرره شيخ الإسلام رحمهُ الله وغيرُه.

<<  <  ج: ص:  >  >>