للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَإِنَّ شَطْرَ أُصُولِ الْفِقْهِ تَدْخُلُ مَسَائِلُ الْخِلَافِ مِنْهُ فِي هَذَا الْقِسْمِ.

السَّبَبُ الثَّامِنُ: اعْتِقَادُهُ أَنَّ تِلْكَ الدَّلَالَهً قَد عَارَضَهَا مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مُرَادَةً، مِثْل مُعَارَضَةِ الْعَامِّ بِخَاصٍّ، أَو الْمُطْلَقِ بِمُقَيَّدٍ.

السَّبَبُ التَّاسِعُ: اعْتِقَادُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ مُعَارَضٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ، أَو نَسْخِهِ، أَو تَأَوِيلِهِ إنْ كَانَ قَابِلًا لِلتَّأْوِيلِ بِمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَارضًا بِالِاتِّفَاقِ؛ مِثْل أيَةٍ، أَو حَدِيثٍ آخَرَ، أَو مِثْل إجْمَاعٍ.

وَقَد وَجَدْنَا مِن أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ مَن صَارُوا إلَى الْقَوْلِ بِأَشْيَاءَ مُتَمَسَّكُهُم فِيهَا عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمُخَالِفِ، مَعَ أَنَ ظَاهِرَ الْأدِلَّةِ عِنْدَهُم يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ، لَكِنْ لَا يُمْكِنُ الْعَالِمُ أَنْ يَبْتَدِئَ قَوْلًا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ قَائِلًا، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ النَّاسَ قَد قَالُوا خِلَافَهُ (١)، حَتَّى إنَّ مِنْهُم مَن يُعَلِّقُ الْقَوْلَ فَيَقُولُ: إنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعٌ فَهُوَ أَحَقُّ مَا يُتْبَعُ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ عِنْدِي كَذَا وَكَذَا.

السَّبَبُ الْعَاشِرُ: مُعَارَضَتُهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ أَو نَسْخِهِ أَو تَأَوِيلِهِ مِمَّا لَا يَعْتَقِدُهُ غَيْرُهُ أَو جِنْسُهُ مُعَارِضٌ، أَو لَا يَكُونُ فِي الْحَقِيقَةِ مُعَارضًا رَاجِحًا؛ كَمُعَارَضَةِ كَثِيرٍ مِنَ الْكُوفِيِّينَ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ مِنَ الْعُمُومِ وَنَحْوِه مُقَدَّمٌ عَلَى نَصِّ الْحَدِيثِ، ثُمَّ قَد يَعْتَقِدُ مَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ ظَاهِرًا لِمَا فِي دَلَالَاتِ الْقَوْلِ مِنَ الْوُجُوهِ الْكثِيرَةِ.

فَهَذِهِ الْأَسْبَابُ الْعَشَرَةُ ظَاهِرَة، وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَالِمِ حُجَّةٌ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ لَمْ نَطَّلِعْ نَحْنُ عَلَيْهَا .. لَكِنْ نَحْنُ وَإِن جَوَّزنا هَذَا فَلَا يَجُوزُ لَنَا أنْ نَعْدِلَ عَن قَوْلٍ ظَهَرَتْ حُجَّتُهُ بِحَدِيثٍ صَحِيحٍ وَافَقَهُ طَائِفَةٌ مِن أَهْلِ الْعِلْمِ، إلَى قَوْلٍ آخَرَ قَالَهُ عَالِمٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَا يَدْفَعُ بِهِ هَذِهِ الْحُجَّةَ وَإِن كَانَ أَعْلَم؛ إذ تَطَرُّقُ الْخَطَأِ إلَى آرَاءِ الْعُلَمَاءِ أَكْثَرُ مِن تَطَرُّقِهِ إلَى


(١) وقد رأينا في هذا الزمان من أفتى في مسائل الأحكام بأقوال لم يُسبق لها أبدًا، والأمثلة في هذا كثيرة لا يُمكن حصرُها.

<<  <  ج: ص:  >  >>