قُلْت: بَنُو الْحَارِثِ بْنِ كَعْب هُم أَهْلُ نَجْرَانَ، وَلَا ريبَ أَنَ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ بِهَذِهِ اللُّغَةِ، بَل الْمُثَنَّى مِن الْأَسْمَاءِ الْمَبْنِيَّةِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ هُوَ بِالْيَاءِ فِي النَّصْبِ وَالْجَرِّ.
وَقَد ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحِ" عَن عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ، وَقَالَ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الَّذِينَ كَتَبُوا الْمُصْحَفَ هُم وَزيدٌ: إذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي شَيْءٍ فَاكْتُبُوهُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ؛ فَإِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا إلَّا فِي حَرْفٍ وَهُوَ (التَّابُوتُ) فَرَفَعُوهُ إلَى عُثْمَانَ فَأَمَرَ أَنْ يُكْتَبَ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ".
وهذِهِ الصَّحِيفَةُ الَّتِي أَخَذَهَا مِن عِنْدِ حَفْصَةَ هِيَ الَّتِي أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ فِيهَا لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَحَدِيثُهُ مَعْرُوفٌ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" وَغَيْرِهِمَا وَكَانَت بِخَطِّهِ؛ فَلِهَذَا أَمَرَ عُثْمَانُ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَحَدَ مَن يَنْسَخُ الْمَصَاحِفَ مِن تِلْكَ الصُّحُفِ، وَلَكِنْ جَعَلَ مَعَهُ ثَلَاثَةً مِن قُرَيْشٍ لِيُكْتَبَ بِلِسَانِهِمْ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ لِسَانُ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ إلَّا فِي لَفْظِ (التابوه) و (التَّابُوتِ)، فَكَتَبُوهُ (التَّابُوتَ) بِلُغَةِ قُرَيْشٍ.
وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمَصَاحِفَ الَّتِي نُسِخَتْ كَانَت مَصَاحِفَ مُتَعَدِّدَةً، وَهَذَا مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ.
وَالْمُسْلِمُونَ كَانُوا يَقْرَؤونَ (سُورَةَ طَه) عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَهِيَ مِن أَوَّلِ مَا نَزَلَ مِن الْقُرْآنِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: بَنُو إسْرَائِيلَ وَالْكَهْفُ وَمَرْيَمُ وَطَه وَالْأَنْبِيَاءُ مِن الْعِتَاقِ الْأُوَلِ وَهُنَّ مِن تلادى. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ.
وَهِيَ مَكِّيَّة بِاتِّفَاقِ النَّاسِ.
فَالصَّحَابَة لَا بُدَّ أَنْ قَد قَرَؤُوا هَذَا الْحَرْفَ، وَمِن الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُم قَرَؤُوهُ بِالْيَاءِ كَأَبِي عَمْرٍو.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute