وَحِينَئِذٍ فَقَد عُلِمَ أَنَّ الصَّحَابَةَ إنَّمَا قَرَؤُوا كَمَا عَلَّمَهُم الرَّسُولُ، وَكَمَا هُوَ لُغَة لِلْعَرَبِ، ثُمَّ لُغَةُ قُرَيْشٍ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ اللُّغَةَ الْفَصِيحَةَ الْمَعْرُوفَةَ عِنْدَهُم فِي الْأَسْمَاءِ الْمُبْهَمَةِ تَقُولُ: إنْ هَذَانِ، وَمَرَرْت بِهَذَانِ، تَقُولُهَا فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ بِالْأَلِفِ، وَمَن قَالَ: إنَّ لُغَتَهُم أَنَّهَا تَكُونُ فِي الرَّفْعِ بِالْأَلِفِ طُولِبَ بِالشَاهِدِ عَلَى ذَلِكَ، وَالنَّقْلِ عَن لُغَتِهِم الْمَسْمُوعَةِ مِنْهُم نَثْرًا وَنَظْمًا، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَشْهَدُ لَهُ، وَلَكِنْ عُمْدَتُهُ الْقِيَاسُ.
وَحِينَئِذٍ فَنَقُولُ: قِيَاسُ هَذَا بِغَيْرِهَا مِن الْأَسْمَاءِ غَلَطٌ، فَإنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ثَابِتٌ عَقْلًا وَسَمَاعًا، أَمَّا النَّقْلُ وَالسَّمَاعُ فَكَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا الْعَقْلُ وَالْقِيَاسُ فَقَد تَفَطَّنَ لِلْفَرْقِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِن حُذَّاقِ النُّحَاةِ، فَحَكَى ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَغَيْرُهُ عَن الْفَرَّاءِ قَالَ: أَلِفُ التَّثْنِيَةِ فِي "هَذَانِ" هِيَ أَلِفُ هَذَا وَالنُّونُ فَرَّقَتْ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ كَمَا فَرَّقَتْ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ نُونُ الَّذِينَ.
لَكِنَّ أَسْمَاءَ الْإِشَارَةِ لَمْ تُفَرِّقْ لَا فِي وَاحِدِهِ وَلَا فِي جَمْعِهِ بَيْنَ حَالِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ فَكَذَلِكَ فِي تَثْنِيَتِهِ؛ بَل قَالُوا: قَامَ هَذَا وَأَكْرَمْت هَذَا وَمَرَرْت بِهَذَا وَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ فِي الْجَمْعِ فَكَذَلِكَ الْمُثَنَّى قَالَ: هَذَانِ وَأَكْرَمْت هَذَانِ وَمَرَرْت بِهَذَانِ فَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ يُلْحَقَ مُثَنَّاهُ بِمُفْرَدِهِ وَبِمَجْمُوعِهِ، لَا يُلْحَقَ بِمُثَنَّى غَيْرِهِ الَّذِي هُوَ أَيْضًا مُعْتَبَرٌ بِمُفْرَدِهِ وَمَجْمُوعِهِ.
فَتَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا: إنَّ مُقْتَضَى الْعَرَبِيَّةِ أَنْ يُقَالَ: إنَ هَذَيْنِ لَيْسَ مَعَهُم بِذَلِكَ نَقْل عَن اللُّغَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْقُرْآنِ الَّتي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ.
ثُمَّ يُقَالُ: قَد يَكُونُ الْمَوْصُولُ كَذَلِكَ؛ كَقَوْلِهِ: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} [النساء: ١٦]؛ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ لُغَةَ قُرَيْشٍ أَنَّهُم يَقُولُونَ: رَأَيْت الْذَيْنِ فَعَلَا، وَمَرَرْت بِاَللَّذَيْنِ فَعَلَا، وَإِلَّا فَقَد يُقَالُ: هُوَ بِالْأَلِفِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ مَبْنِيٌّ، وَالْأَلِفُ فِيهِ بَدَلُ الْيَاءِ فِي الَّذِينَ، وَمَا ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ وَابْنُ كيسان وَغَيْرُهُمَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا؛ فَإِنَّ الْفَرَّاءَ شَبَّهَ هَذَا بالذين، وَتَشْبِيهُ اللَّذَانِ بِهِ أَوْلَى، وَابْنُ كيسان
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute