عَلَّلَ بِأَنَّ الْمُبْهَمَ مَبْنِي لَا يَظْهَرُ فِيهِ الْإِعْرَابُ، فَجَعَلَ مُثَنَّاهُ كَمُفْرَدِهِ وَمَجْمُوعِهِ، وَهَذَا الْعِلْمُ يَأَتِي فِي الْمَوْصُولِ.
وَقَد يُعْتَرَضُ عَلَى مَا كَتَبْنَاهُ أَوَّلًا بِأَنَّهُ جَاءَ أَيْضًا فِي غَيْرِ الرَّفْعِ بِالْيَاءِ كَسَائِرِ الْأَسْمَاءِ، قَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [فصلت: ٢٩]، وَلَمْ يَقُل: "اللَّذَانِ أَضَلَّانَا"، كَمَا قِيلَ فِي الَّذِينَ إنَّهُ بِالْيَاءِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ مُوسَى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص: ٢٧] وَلَمْ يَقُلْ "هَاتَانِ".
أَمَّا قَوْلُهُ: {أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا} [فصلت: ٢٩] .. فهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّثْنِيَةِ هِيَ الْأَلِفُ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ فِي إعْرَابِهِ لُغَتَانِ جَاءَ بِهِمَا الْقُرْآنُ: تَارَةً يُجْعَلُ كَاَللَّذَانِ، وَتَارَةً يُجْعَلُ كَاَللَّذَيْنِ.
وَلَكِنْ فِي قَوْلِهِ: {إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} كَانَ هَذَا أَحْسَنَ مِن قَوْلِهِ "هَاتَانِ" لِمَا فِيهِ مِن اتِّباعِ لَفْظِ الْمُثَنَّى بِالْيَاءِ فِيهِمَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: ٦٣] فَجَاءَ اسْمًا مُبْتَدَأ: اسْمُ (إنَّ) وَكَانَ مَجِيئُهُ بِالْأَلِفِ أَحْسَنَ فِي اللَّفْظِ مِن قَوْلِنَا: "إنَّ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ"؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ أَخَفُّ مِن الْيَاءِ؛ وَلِأنَّ الْخَبَرَ بِالْأَلِفِ، فَإِذَا كَانَ كُل مِن الِاسْمِ وَالْخَبَرِ بِالْأَلْفِ كَانَ أَتَمَّ مُنَاسِبَةً، وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يُشْبِهُ هَذَا مِن كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ بِالْيَاءِ.
فَتَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْمَسْمُوعَ وَالْمُتَوَاتِرَ لَيْسَ فِي الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ مَا يُنَاقِضُهُ، لَكِنْ بَيْنَهُمَا فُرُوق دَقِيقَةٌ، وَاَلَّذِينَ استشكلوا هَذَا إنَّمَا استشكلوه مِن جِهَةِ الْقِيَاسِ لَا مِن جِهَةِ السَّمَاعِ (١)، وَمَعَ ظُهُورِ الْفَرْقِ يُعْرَفُ ضَعْفُ الْقِيَاسِ. [١٥/ ٢٤٨ - ٢٦٤]
(١) يعني: أنهم لم يشُكُّوا في ثبوتها عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكن اسْتشكلوا تخريجها على قواعد النحو.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute