للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلهَذَا: الْقِيَاسُ فِي "مَا" النَّافِيَةُ أَنْ لَا تَعْمَلَ أَيْضًا عَلَى لُغَةِ تَمِيمٍ، وَلَكِنْ تَعْمَلُ عَلَى اللُّغَةِ الْحِجَازَّيةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ فِي مِثْل قَوْله تَعَالَى: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: ٢]، {مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: ٣١]، اسْتِحْسَانًا لِمُشَابَهَتِهَا "لَيْسَ" هُنَا، لَمَّا دَخَلَتْ "مَا" الْكَافَّةُ عَلَى "إنَّ" أَزَالَتْ اخْتِصَاصَهَا، فَصَارَتْ تَدْخُلُ عَلَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ وَالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ فَبَطَلَ عَمَلُهَا؛ كَقَوْلِهِ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد: ٧]، وَقَوْلِهِ: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور: ١٦].

وَقَد تَكُون "مَا" الَّتِي بَعْدَ "إنَّ" اسْمًا لَا حَرْفًا، كَقَوْلِهِ: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ} [طه: ٦٩] بِالرَّفْع؛ أَيْ: إنَّ الَّذِي صَنَعُوهُ كَيْدُ سَاحِرٍ، خِلَاف قَوْلِهِ: {إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٧٢)} [طه: ٧٢]؛ فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ بِالنَّصْبِ لَا تَسْتَقِيمُ إذَا كَانَت "مَا" بِمَعْنَى الَّذِي، وَفِي كُل الْمَعْنيَيْنِ الْحَصْرُ مَوْجُود، لَكِنْ إذَا كَانَت "مَا" بِمَعْنَى الَّذِي: فَالْحَصْرُ جَاءَ مِن جِهَةِ أَنَ الْمَعَارِفَ هِيَ مِن صِيَغِ الْعُمُومِ، فَإِنَّ الْأَسْمَاءَ:

أ- إمَّا مَعَارِفُ.

ب- وَإِمَّا نَكِرَاتٌ.

وَالْمَعَارِفُ مِن صِيَغِ الْعُمُومِ، وَالنَّكِرَةُ فِي غَيْرِ الْمُوجِبِ كَالنَّفْيِ وَغَيْرِهِ مِن صِيَغِ الْعُمُومِ، فَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ} تَقْدِيرُهُ: إنَّ الَّذِي صَنَعُوهُ كَيْدُ سَاحِرٍ.

وَأَمَّا الْحَصْرُ فِي "إنَّمَا" فَهُوَ مِن جِنْسِ الْحَصْرِ بِالنَّفْي وَالِاسْتِثْنَاءِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [الشعراء: ١٥٤]، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} [آل عمران: ١٤٤].

وَالْحَصْرُ قَد يعَبَّرُ عَنْهُ بِأنَّ الْأَوَّلَ مَحْصُور فِي الثَّانِي، وَقَد يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْعَكْسِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ الثَّانِيَ أَثْبَتَهُ الْأَوَّلُ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ غَيْرُهُ مِمَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّه ثَابِتٌ لَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أنَّك تَنْفِي عَن الْأَوَّلِ كُلَّ مَا سِوَى الثَّانِي، فَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ} [النازعات: ٤٥]؛ أَيْ: إنَّك لَسْت رَبًّا لَهُم وَلَا مُحَاسِبًا وَلَا مُجَازِيًا وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>