وَالشَّاعِرُ إذَا قَالَ:
وَأشْهَدُ مِن عَوْفٍ حُلُولًا كَثِيرَةً … يَحُجُّونَ سِبَّ الزِّبْرِقَانِ الْمُزَعْفَرَا
كَانَ مُتَكَلّمًا بِاللُّغَةِ، وَقَد قَيَّدَ لَفْظَهُ بِحَجِّ سبِّ الزِّبْرِقَانِ الْمُزَعْفَرَ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ الْحَجَّ الْمَخْصُوصَ دَلَّتْ عَلَيْهِ الْإِضَافَةُ.
فَكَذَلِكَ الْحَجُّ الْمَخْصُوصُ الَّذِي أَمَرَ اللهُ بِهِ: دَلَّتْ عَلَيْهِ الْإِضَافَةُ، أَو التَعْرِيفُ بِاللَّامِ، فَإِذَا قِيلَ: الْحَخ فَرْضٌ عَلَيْك: كَانَت لَامُ الْعَهْدِ تُبَيّنُ أَنَّهُ حِجُّ الْبَيْتِ.
وَكَذَلِكَ "الزَّكَاةُ": هِيَ اسْمٌ لِمَا تَزْكُو بِهِ النَّفْسُ، وَزَكَاةُ النَّفْسِ زِيَادَةُ خَيْرِهَا وَذَهَابُ شَرِّهَا، وَالْإِحْسَان إلَى النَّاسِ مِن أَعْظَمِ مَا تَزْكُو بِهِ النَّفْسُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: ١٠٣]، وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْفَوَاحِشِ مِمَّا تَزْكُو بِهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} [النور: ٢١].
وَأَصْلُ زَكَاتِهَا: بِالتَّوحِيدِ وَإِخْلَاصِ الدِّينِ للهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: ٦، ٧] وَهِيَ عِنْدُ الْمُفَسِّرِينَ التَّوْحِيدُ.
وَقَد بَيَّنَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِقْدَارَ الْوَاجِبِ وَسَمَّاهَا الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، فَصَارَ لَفْظُ الزَّكَاةِ إذَا عُرِّفَ بِاللَّامِ يَنْصَرِفُ إلَيْهَا لِأَجْلِ الْعَهْدِ.
وَمِن الأسْمَاءِ مَا يَكُونُ أَهْلُ الْعُرْفِ نَقَلُوهُ وَينْسُبونَ ذَلِكَ إلَى الشَّارعِ؛ مِثْل لَفْظِ "التَّيَمُّمِ"؛ فَإِنَّ اللّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: ٦]، فَلَفْظُ التَيّمَّمِ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ الْمَعْرُوفِ فِي اللغَةِ، فَإِنَّهُ أَمَرَ بِتَيَمُّمِ الصَّعِيدِ (١)، ثُمَّ أَمَرَ بِمَسْحِ الْوُجُوهِ وَالْأَيْدِي مِنْهُ، فَصَارَ لَفْظُ
(١) أي: قصد الصعيد، وهو كلّ ما تصعّد على وجه الأرض.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute