للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التَّيَمَّمِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ يَدْخُلُ فِيهِ هَذَا الْمَسْحُ، وَلَيْسَ هُوَ لُغَة الشَّارعِ (١).

وَلَفْظُ "الْإِيمَانِ" أَمَرَ بِهِ مُقَيَّدًا بِالْإِيمَانِ بِاللّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ.

وَكَذَلِكَ لَفْظُ "الْإِسْلَامِ" بِالِاسْتِسْلَامِ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَكَذَلِكَ لَفْظُ "الْكُفْرِ" مُقَيَّدًا.

وَلَكِنْ لَفْظُ "النِّفَاقِ" قَد قِيلَ: إنَّهُ لَمْ تَكُن الْعَرَبُ تَكَلَّمَتْ بِهِ، لَكِنَّهُ مَأُخُوذٌ مِن كَلَامِهِمْ؛ فَإِنَّ نَفَقَ يُشْبِهُ خَرَجَ، وَمِنْهُ نَفَقَت الدَّابَّةُ إذَا مَاتَتْ، وَمِنْهُ نَافِقَاءُ الْيَرْبُوعِ، وَالنَّفَقُ فِي الْأَرْضِ، قَالَ تَعَالَى: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ} [الأنعام: ٣٥]، فَالْمُنَافِقُ هُوَ الَّذِي خَرَجَ مِن الْإِيمَانِ بَاطِنًا، بَعْدَ دُخُولِهِ فِيهِ ظَاهِرًا.

وَقَيَّدَ النِّفَاقَ بِأَنَّهُ نِفَاقٌ مِن الْإِيمَانِ.

فَخِطَابُ اللّهِ وَرَسُولِهِ لِلنَّاسِ بِهَذِهِ الأسْمَاءِ كَخِطَابِ النَّاسِ بِغَيْرِهَا، وَهُوَ خِطَابٌ مُقَيَّد خَاصٌ مُطْلَقٌ يَحْتَمِلُ أَنْوَاعًا.

وَقَد بَيَّنَ الرَّسُولُ تِلْكَ الْخَصَائِصَ، وَالِاسْمُ دَلَّ عَلَيْهَا، فَلَا يُقَالُ: إنَّهَا مَنْقُولَةٌ، وَلَا أنَّهُ زِيدَ فِي الْحُكْمِ دونَ الِاسْمِ، بَل الِاسْمُ إنَّمَا اُسْتُعْمِلَ عَلَى وَجْهٍ يَخْتَصُّ بِمُرَادِ الشَّارعِ، لَمْ يُسْتَعْمَلْ مُطْلَقًا، وَهُوَ إنَّمَا قَالَ: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [يونس: ٨٧] بَعْدَ أَنْ عَرَّفَهُم الصَّلَاةَ الْمَأمُورَ بِهَا، فَكَانَ التَّعْرِيفُ مُنْصَرِفًا إلَى


(١) أي: أن الشارع لم يسمّ قصد التراب لمَسْحِ الْوُجُوهِ وَالْأيْدِي مِنْهُ، بل هذه تسمية الفقهاء.
قال الخليل رَحِمهُ الله "العين" (٨/ ٤٣٠): أمَّ فلانٌ أمرًا؛ أي: قصد. والتيمّم: يجري مجرى التوخّي، يقال: تيَمَّمْ أمرًا حَسَنَا، وتيَمَّمْ أطيبَ ما عندك فأطعِمناه، وقال تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ} [البقرة: ٢٦٧]؛ أي: لا تَتَوَخَّوْا أَرْدَأَ ما عندَكم فتتصدّقوا به. والتَّيَمُّمُ بالصّعيد من ذلك. والمعنى: أن تتوخَّوْا أطيب الصّعيد، فصار التَّيَمُّمُ في أفواه العامّة فِعلًا للمَسْحِ بالصّعيد، حتّى إنّهم يقولون: تيَمَّمْ بالتّراب. اهـ.
فتأمل قوله: فصار التَّيَمُّمُ في أفواه العامّة فِعلًا للمَسْح بالصّعيد، وهذا يُؤكد كلام شيخ الإسلام بأن التيمم في لسان اللغة والشرع: القصد وَالتوخي، لا مَسْح الْوَجْهِ وَاليَدَيْنِ بِالتُّرَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>