للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَإِن كَانَ بِطَرِيقِ الْقِصَاصِ كَانَ عَدْلًا مُبَاحًا، فَلَفْظُ الْعُدْوَانِ فِي مِثْل هَذَا هُوَ تَعَدِّي الْحَدِّ الْفَاصِلِ، لَكِنْ لَمَّا اعْتَدَى صَاحِبُهُ جَازَ الِاعْتِدَاءُ عَلَيْهِ، وَالِاعْتِدَاءُ الْأَوَّلُ ظُلْمٌ، وَالثَّانِي مُبَاحٌ.

وَلَفْظ الِاعْتِدَاءِ هُنَا مُقَيَّد بِمَا يُبَيّنُ أَنَّهُ اعْتِدَاءٌ عَلَى وَجْهِ الْقِصَاصِ، بِخِلَافِ الْعُدْوَانِ ابْتِدَاءً فَإِنَّهُ ظُلْمٌ، فَإِذَا لَمْ يُقَيَّدْ بِالْجَزَاءِ فُهِمَ مِنْة الِابْتِدَاءُ، إذ الْأَصْلُ عَدَمُ مَا يُقَابِلُهُ. [٢٠/ ٤٠٣ - ٤٥٨]

١٣١٣ - تَقْسِيمُ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى مَعَانِيهَا إلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ .. : اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ، لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ أَحَدٌ مِن الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان، وَلَا أَحَدٌ مِن الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ فِي الْعِلْمِ؛ كَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِي وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، بَل وَلَا تَكَلَّمَ بِهِ أَئِمَّةُ اللغَةِ وَالنَّحْوِ؛ كَالْخَلِيلِ، وَسِيبَوَيْهِ، وَأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ وَنَحْوِهِمْ.

وَأَوَّلُ مَن عُرِفَ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِلَفْظِ الْمَجَازِ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى فِي كِتَابِهِ (١).

وَلَكِنْ لَمْ يَعْنِ بِالْمَجَازِ مَا هُوَ قَسِيمُ الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا عَنَى بِمَجَازِ الْآيَةِ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَن الْآيَةِ.

وَلهَذَا قَالَ مَن قَالَ مِن الْأصُولِيِّينَ -كَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَأَمْثَالِهِ-: إنَّمَا تُعْرَفُ الْحَقِيقَةُ مِن الْمَجَازِ بِطُرُقِ مِنْهَا نَصُّ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى ذَلِكَ؛ بِأَنْ يَقُولُوا: هَذَا حَقِيقَةٌ وَهَذَا مَجَازٌ: فَقَد تَكَلَّمَ بِلَا عِلْمٍ؛ فَإِنَّهُ ظَنَّ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ قَالُوا هَذَا، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِن أَهْلِ اللُّغَةِ، وَلَا مِن سَلَفِ الْأُمَّةِ وَعُلَمَائِهَا، وَإِنَّمَا هَذَا اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ، وَالْغَالِبُ أَنَّهُ كَانَ مِن جِهَةِ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ مِن الْمُتَكَلِّمِينَ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ هَذَا فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِن أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَنَحْوِهِمْ مِن السَّلَفِ.


(١) مجاز القرآن.

<<  <  ج: ص:  >  >>