وَهَذَا الشَّافِعِيُّ هُوَ أَوَّلُ مَن جَرَّدَ الْكَلَامَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ: لَمْ يُقَسِّمْ هَذَا التَّقْسِيمَ، وَلَا تَكَلَّمَ بِلَفْظِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ.
وَكَذَلِكَ مُحَمَّد بْنُ الْحَسَنِ لَهُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ كَلَامٌ مَعْرُوفٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِلَفْظِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ.
وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَئِمَّةِ لَمْ يُوجَدْ لَفْظُ الْمَجَازِ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْهُمْ، إلَّا فِي كَلَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَل؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّة فِي قَوْلِهِ: (إنَّا، وَنَحْنُ) وَنَحْؤ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ: هَذَا مِن مَجَازِ اللُّغَةِ، يَقُولُ الرَّجُلُ: إنَا سَنُعْطِيك، إنَّا سَنَفْعَلُ.
وَأَمَّا سَائِرُ الْأَئِمَّةِ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُم وَلَا مِن قُدَمَاءِ أَصْحَابِ أَحْمَد: إنَّ فِي الْقُرْآنِ مَجَازًا، لَا مَالِكٌ، وَلَا الشَّافِعِي، وَلَا أَبُو حَنِيفَةَ؛ فَإِنَّ تَقْسِيمَ الْأَلْفَاظِ إلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ إنَّمَا اُشْتُهِرَ فِي الْمِائَةِ الرَّابعَةِ، وَظَهَرَتْ أَوَائِلُهُ فِي الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ، وَمَا عَلِمْته مَوْجُودًا فِي الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَوَاخِرِهَا.
وَاَلَّذِينَ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ نَطَقُوا بِهَذَا التَّقْسِيمِ قَالُوا: إنَّ مَعْنَى قَوْلِ أَحْمَد: مِن مَجَازِ اللُّغَةِ؛ أَيْ: مِمَّا يَجُوزُ فِي اللّغَةِ أَنْ يَقُولَ الْوَاحِدُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَهُ أَعْوَانٌ: نَحْنُ فَعَلْنَا كَذَا، وَنَفْعَلُ كَذَا، وَنَحْو ذَلِكَ، قَالُوا: وَلَمْ يُرِدْ أَحْمَد بِذَلِكَ أَنَّ اللَّفْظَ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ.
ثُمَّ يُقَالُ ثَانِيًا: هَذَا التَّقْسِيمُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَلَيْسَ لِمَن فَرَّقَ بَيْنَهُمَا حَدٌّ صَحِيحٌ يُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ بَاطِلٌ، وَهُوَ تَقْسِيمُ مَن لَمْ يَتَصَوَّرْ مَا يَقُولُ، بَل يَتَكَلَّمُ بِلَا عِلْمٍ، فَهُم مُبْتَدِعَةٌ فِي الشَّرْعِ، مُخَالِفُونَ لِلْعَقْلِ.
وَذَلِكَ أَنَّهُم قَالُوا: الْحَقِيقَةُ: اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ، وَالْمَجَازُ: هُوَ الْمُسْتَعْمَل فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ، فَاحْتَاجُوا إلَى إثْبَاتِ الْوَضْعِ السَّابِقِ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ، وَهَذَا يَتَعَذَّرُ.
وَإِن قَالُوا: نَعْنِي بِمَا وُضِعَ لَهُ مَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ أَوَّلًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute