للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يُلْحَظَ أَنَّهُ كَانَ مَسْكُونًا، فَلَا يُسَمَّى قَرْيَةً إلَّا إذَا كَانَ قَد عُمِّرَ لِلسُّكْنَى، مَأخُوذٌ مِن الْقرْي وَهُوَ الْجَمْعُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُم: قَرَيْت الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ، إذَا جَمَعْته فِيهِ.

وَنَظِير ذَلِكَ لَفْظُ الْإِنْسَانِ، يَتَنَاوَلُ الْجَسَدَ وَالروُّحَ، ثُمَّ الْأَحْكَامُ تَتَنَاوَلُ هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً لِتَلَازُمِهِمَا، فَكَذَلِكَ الْقَرْيَةُ إذَا عُذبَ أَهْلُهَا خَرِبَتْ، وَإِذَا خَرِبَتْ كَانَ عَذَابًا لِأَهْلِهَا، فَمَا يُصِيبُ أَحَدَهُمَا مِن الشَّرِّ يَنَالُ الْآخَرَ؛ كَمَا يَنَالُ الْبَدَنَ وَالرُّوحَ مَا يُصِيبُ أَحَدَهُمَا.

فَقَوْلُهُ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}، مِثْلُ قَوْلِهِ: {قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً}.

فَاللَّفْظُ هُنَا يُرَادُ بِهِ السُّكَّانُ مِن غَيْرِ إضْمَارٍ وَلَا حَذْفٍ، فَهَذَا بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ فِي اللُّغَةِ مَجَازٌ، فَلَا مَجَازَ فِي الْقُرْآنِ.

بَل وَتَقْسِيمُ اللُّغَةِ إلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ تَقْسِيمٌ مُبْتَدَعٌ مُحْدَثٌ، لَمْ يَنْطِقْ بِهِ السَّلَفُ.

وَالْخَلَفُ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِيهِ لَفْظِيًّا، بَل يُقَالُ: نَفْسُ هَذَا التَّقْسِيمِ بَاطِلٌ، لَا يَتَمَيَّزُ هَذَا عَن هَذَا، وَلهَذَا كَانَ كُلُّ مَا يَذْكُرُونَهُ مِن الْفُرُوقِ تبَيَّنَ أَنَّهَا فُرُوقٌ بَاطِلَةٌ.

وَأَشْهَرُ أَمْثِلَةِ الْمَجَازِ لَفْظُ الْأَسَدِ، وَالْحِمَارِ، وَالْبَحْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَقُولُونَ: إنَّهُ اُسْتُعِيرَ لِلشُّجَاعِ، وَالْبَلِيدِ، وَالْجَوَادِ.

وَهَذِهِ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا مُؤَلَّفَةً مُرَكَّبَةً مُقَيَّدَةً بِقُيُود لَفْظِيَّةٍ، كَمَا تُسْتَعْمَلُ الْحَقِيقَةُ؛ كَقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَن أَبِي قتادة لَمَّا طَلَبَ غَيْرُهُ سَلَبَ الْقَتِيلِ: لَاهَا اللهُ، إذًا يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِن أُسْدِ اللهِ يُقَاتِلُ عَن اللهِ وَرَسُولِهِ فَيُعْطِيك سَلَبَهُ.

فَقَوْلُهُ: يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِن أُسْدِ اللهِ يُقَاتِلُ عَن اللهِ وَرَسُولِهِ: وَصْلى لَهُ بِالْقُوَّةِ لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، وَقَد عَيّنهُ تَعْيِينًا أَزَالَ اللَّبْسَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>