للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْجَائِعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قِيلَ: لِبَاسَ الْخوعِ وَالْخَوْفِ.

وَلَو قَالَ: فَأَلْبَسَهُم لَمْ يَكن فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُم ذَاقُوا مَا يُؤْلِمُهُم إلَّا بِالْعَقْلِ مِن حَيْثُ إَّنهُ يَعْرِفُ أَنَّ الْجَائِعَ الْخَائِفَ يَأْلَمُ، بِخِلَافِ لَفْظِ ذَوْقِ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ؛ فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى الْإِحْسَاسِ بِالْمُؤْلِمِ، وَإِذَا أُضِيفَ إلَى الملذ: دَلَّ عَلَى الْإِحْسَاسِ بِهِ.

وَكَذَلِكَ مَا ادَّعَوْا أَنَهُ مَجَازٌ فِي الْقُرْآنِ؛ كَلَفْظِ الْمَكْرِ، وَالِاسْتِهْزَاءِ، وَالسُّخْرِيَةِ الْمُضَافِ إلَى اللهِ، وَزَعَمُوا أَنَّه مُسَمًّى بِاسْمِ مَا يُقَابِلُهُ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَل مُسَمَّيَاتُ هَذه الْأَسْمَاءِ إذَا فُعِلَتْ بِمَن لَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ كَانَت ظُلْمًا لَهُ، وَأَمَّا إذَا فعِلَتْ بِمَن فَعَلَهَا بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عُقُوبَةً لَهُ بِمِثْل فِعْلِهِ كَانَت عَدْلًا.

وَمِن الْأَمْثِلَةِ الْمَشْهُورَةِ لِمَن يُثْبِتُ الْمَجَازَ فِي الْقُرْآنِ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢]، قَالُوا: الْمُرَادُ بِهِ أَهْلُهَا، فَحُذِفَ الْمُضَافُ، وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ.

فَقِيلَ لَهُم: لفظُ الْقَرْيَةِ وَالْمَدِينَةِ وَالنَّهْرِ وَالْمِيزَابِ؛ وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتي فِيهَا الْحَالُّ وَالْمَحَالُّ كِلَاهُمَا دَاخِلٌ فِي الِاسْمِ، ثُمَّ قَد يَعُودُ الْحُكْمُ عَلَى الْحَالِّ وَهُوَ السُّكَّانُ، وَتَارَةً عَلَى الْمَحَلِّ وَهُوَ الْمَكَانُ.

وَكَذَلِكَ فِي النَّهْرِ يُقَالُ: حَفَرْت النَّهْرَ وَهُوَ الْمَحَلُّ، وَجَرَى النَّهْرُ وَهُوَ الْمَاءُ.

وَكَذَلِكَ الْقَرْيَةُ، قَالَ تَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً} [النحل: ١١٢] وَقَوْلُهُ: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (٤)} [الأعراف: ٤] .. فَجَعَلَ الْقُرَى هُم السُّكَّانُ.

وَقَالَ تَعَالَى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [البقرة: ٢٥٩]؛ فَهَذَا الْمَكَانُ لَا السُّكَّانُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>