للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَهَذَا غَيْرُ قَوْلِك: استَقْرَأته الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّ ذَاكَ مِن الْمَهْمُوزِ؛ فَالْقَرْيَةُ هِيَ الْمَكَانُ الَّذِي يَجْتَمِع فِيهِ النَّاسُ.

وَأَمَّا (قَرَأَ) بِالْهَمْزِ فَمَعْنَاهُ الْإِظْهَارُ وَالْبَيَانُ، وَالْقُرْءُ وَالْقِرَاءَةُ مِن هَذَا الْبَابِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُم: مَا قَرأت النَّاقَةُ سَلَا جَزُورٍ قَطُّ؛ أَيْ: مَا أَظْهَرَتْهُ وَأَخْرَجَتْهُ مِن رَحِمِهَا، وَالْقَارِي: هُوَ الَّذِي يُظْهِرُ الْقُرْآنَ ويُخْرِجُهُ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧)} [القيامة: ١٧] (١)، فَفَرَّقَ بَيْنَ الْجَمْعِ وَالْقُرْآنِ.

وَالْقُرْءُ: هُوَ الدَّمُ؛ لِظُهُورِهِ وَخُرُوجِهِ، وَكَذَلِكَ الْوَقْتُ؛ فَإِنَّ التَّوْقِيتَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأَمْرِ الظَّاهِرِ.

ثُمَّ الطُّهْرُ يَدْخُلُ فِي اسْمِ الْقُرْءِ تبَعًا، كمَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ فِي اسْمِ الْيَوْمِ، قَالَ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- لِلْمُسْتَحَاضَةِ: "دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أقرَائِك" (٢).

وَالطُّهْرُ الَّذِي يَتَعَقَّبُهُ حَيْضٌ هُوَ قُرْءٌ؛ فَالْقُرْءُ اسْمٌ لِلْجَمِيعِ.

وَأَمَّا الطُّهْرُ الْمُجَرَّدُ فَلَا يُسَمَّى قُرْءًا؛ وَلهَذَا إذَا طَلُقَتْ فِي أَثْنَاءِ حَيْضَةٍ لَمْ تَعْتَدَّ بِذَلِكَ قُرْءًا؛ لِأَنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، وَإِذَا طَلُقَتْ فِي أَثْنَاءِ طُهْرٍ كَانَ الْقُرْءُ الْحَيْضَةَ مَعَ مَا تَقَدَّمَهَا مِن الطُّهْرِ؛ وَلهَذَا كَانَ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْحَيْضُ كَعُمَرِ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهَا مَأْمُورَة بِتَرَبُّصِ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ؛ فَلَو كَانَ الْقُرْءُ هُوَ الطُّهْرُ لَكَانَت الْعِدَّةُ قُرْأَيْنِ وَبَعْضَ الثَّالِثِ، فَإِنَّ النِّزَاعَ مِن الطَّائِفَتَيْنِ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ؛ فَإِنَّ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ وَمَن وَافَقَهُم يَقُوُلونَ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ مِن الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَصِغَارَ الصَّحَابَةِ: إذَا طَعَنَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَد حَلَّتْ.

فَقَد ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِن غَيْرِ جِمَاعٍ وَقَد


(١) أي: علينا جمعه في صدرك، وإظهاره وبيانه.
(٢) رواه الإمام أحمد (٢٥٦٨١)، وقال البيهقي في السنن الصغير (٣/ ١٥١): مرفوع لم يثبت إسناده.

<<  <  ج: ص:  >  >>