للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَمَّا إذَا أُطْلِقَ الْكَلَامُ مُجَرَّدًا عَن الْقَرِينَتَيْنِ فَمَعْنَاهُ السَّلْبُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّما الشَّهر تِسْعٌ وعِشْرُون" وَقَوْلُة: "الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُون" حَيْثُ قَصَدَ بِهِ الْحَصْرَ فِي النَّوْعِ لَمَّا كَانَ اللهُ تَعَالَى قَد عَلَّقَ بِالشَّهْرِ أَحْكَامًا كَقَوْلِهِ: {شَهْرُ رَمَضَانَ} [البقرة: ١٨٥]، وَقَوْلِهِ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧]، وَقَوْلِهِ: {شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكَانَ مِن الْأَفْهَامِ مَا يَسْبِقُ إلَى أَنَّ مُطْلَقَ الشَّهْرِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَلَعَلَّ بَعْضَ مَن لَمْ يَعُدَّ أَيَّامَ الشَّهْرِ يَتَوَهَّمُ أَنَّ السَّنَةَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ يَوْمًا، وَأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثونَ يَوْمًا، فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "الشَّهْرُ الثَّابِث اللَّازِمُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ"، وَزِيادَةُ الْيَوْمِ قَد تَدْخُلُ فِيهِ وَقَد تَخْرُجُ مِنْهُ، كَمَا يَقُولُ: "الْإِسلَامُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَأَنْ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ"، فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَقَد يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ وَقَد يَمُوتُ قَبْلَ الْكَلَامِ، فَلَا يَكُونُ الْإِسْلَامُ فِي حَقِّهِ إلَّا مَا تَكَلَّمَ بِهِ. [٢٥/ ١٥٥ - ١٦٠]

١٣١٨ - قَالَ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (٥٦) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (٥٧)} [الإسراء: ٥٦، ٥٧]، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَق بْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ: أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمَعْبُودِينَ يَطْلُبُونَ التَّقَرّبَ إلَيْهِ وَالتَّزَلُّفَ إلَيْهِ، وَأَنَّ هَذِهِ حَقِيقَةُ حَالِهِمْ.

وَالضَّمِيرُ فِي (رَبِّهِمْ) لِلْمُبْتَغِينَ أَو لِلْجَمِيعِ، و (الْوَسِيلَةُ) هِيَ الْقُرْبَةُ وَسَبَبُ الْوصُولِ إلَى الْبُغْيَةِ، وَتَوَسَّلَ الرَّجُلُ إذَا طَلَبَ الدُّنُوَّ وَالنَّيْلَ لِأَمْرٍ مَا، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَن سَأَل اللهَ لِي الْوَسِيلَةَ" (١) الْحَدِيثُ.

وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ: ذَكَرَ سَائِرُ الْمُفَسِّرِينَ نَحْوَهُ، إلَّا أَنَّهُ بَرَزَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَقَالَ: و {أَيُّهُمْ} ابْتِدَاءٌ، وَخَبَرُهُ {أَقْرَبُ}، و {أُولَئِكَ} يُرَادُ بِهِم الْمَعْبُودُونَ، وَهُوَ


(١) رواه مسلم (٣٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>