للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ابْتِدَاءٌ، وَخَبَرُهُ {يَبْتَغُونَ}، وَالضَّمِيرُ فِي {يَدْعُونَ} لِلْكُفَّارِ، وَفِي {يَبْتَغُونَ} لِلْمَعْبُودِينَ، وَالتَّقْدِيرُ: نَظَرُهُم وَذِكْرُهُم {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ}.

قَالَ رَحِمهُ الله: وَطَفَّفَ الزَّجَّاجُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَتَأَمَّلْهُ.

وَلَقَد صَدَقَ فِي ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الزَّجَّاجَ ذَكَرَ فِي قَوْلِهِ: {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} وَجْهَيْنِ كِلَاهُمَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَقَد ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ، وَتَابَعَهُ المهدوي والبغوي وَغَيْرُهُمَا.

وَلَكِنَّ ابْنَ عَطِيَّةَ كَانَ أَقْعَدَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْمَعَانِي مِن هَؤُلَاءِ وَأَخْبَرَ بِمَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ وَالْبَصْرِيِّينَ، فَعَرَفَ تَطْفِيفَ الزَّجَّاجِ مَعَ عِلْمِهِ رَحِمهُ الله بِالْعَرَبِيَّةِ وَسَبْقِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِمَا يَعْرِفُهُ مِن الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ.

وَأُولَئِكَ لَهُم بَرَاعَةٌ وَفَضِيلَةٌ فِي أُمُورٍ يَبْرُزُونَ فِيهَا عَلَى ابْنِ عَطِيَّةَ، لَكِنَّ دِلَالَةَ الْأَلْفَاظِ مِن جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ هُوَ بِهَا أَخْبَرُ، وَإِن كَانُوا هُم أَخْبَرَ بِشَيءٍ آخَرَ مِن الْمَنْقُولَاتِ أَو غَيْرِهَا. [٢٧/ ٤٣٠ - ٤٣١]

١٣١٩ - مَعْلُومٌ أَنَ تَعَلُّمَ الْعَرَبِيَّةِ وَتَعْلِيمَ الْعَرَبِيَّةِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَكَانَ السَّلَفُ يُؤَدِّبُونَ أَوْلَادَهُم عَلَى اللَّحْنِ، فَنَحْنُ مَأْمُورُونَ أَمْرَ إيجَابٍ أَو أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ أَنْ نَحْفَظَ الْقَانُونَ الْعَرَبِيَّ، وَنُصْلِحَ الْأَلْسُنَ الْمَائِلَةَ عَنْهُ، فَيَحْفَظُ لَنَا طَرِيقَةَ فَهْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالِاقْتِدَاءِ بِالْعَرَبِ فِي خِطَابِهَا.

فَلَو تُرِكَ النَاسُ عَلَى لَحْنِهِمْ كَانَ نَقْصًا وَعَيْبًا. [٣٢/ ٢٥٢]

١٣٢٠ - مَا زَالَ السَّلَفُ يَكْرَهُونَ تَغْيِيرَ شَعَائِرِ الْعَرَبِ حَتَّى فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَهُوَ التَّكَلُّم بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، إلَّا لِحَاجَة، كمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ مَالِك وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد، بَل قَالَ مَالِك: مَن تَكَلَّمَ فِي مَسْجِدِنَا بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ أُخْرِجَ مِنْهُ (١).


(١) وقد وُجد في هذا الزمان مِن بعض الدعاة إلى الله والمشايخ -جزاهم الله خيرًا- من يعظ أو يُدرّس باللغة العاميّة! وهذا لا ينبغي كما ذكر شيخ الإسلام رَحِمهُ الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>