مَعَ أَنَّ سَائِرَ الْألْسُنِ يَجُوزُ النُّطْق بِهَا لِأَصْحَابِهَا، وَلَكِنْ سَوَّغُوهَا لِلْحَاجَةِ، وَكَرِهُوهَا لِغَيْرِ الْحَاجَةِ وَلحِفْظِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ؛ فَإِنَّ اللّهَ أَنْزَلَ كِتَابَهُ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، وَبَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ الْعَرَبِيَّ، وَجَعَلَ الْأُمَّةَ الْعَرَبِيَّةَ خَيْرَ الْأُمَمِ، فَصَارَ حِفْظُ شِعَارِهِمْ مِن تَمَامِ حِفْظِ الْإِسْلَامِ، فَكَيْفَ بِمَن تَقَدَّمَ عَلَى الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ -مُفْرَدِهِ وَمَنْظُومِهِ- فَيُغَيِّرُهُ وَيُبَدِّلُهُ ويُخْرِجُهُ عَن قَانُونِهِ، وَيُكَلِّفُ الِانْتِقَالَ عَنْهُ؟!.
فَإِنَّ صَلَاحَ الْعَقْلِ وَاللِّسَانِ مِمَّا يُؤمَرُ بِهِ الْإنْسَانُ، ويُعِينُ ذَلِكَ عَلَى تَمَامِ الْإِيمَانِ، وَضِدُّ ذَلِكَ يُوجِبُ الشِّقَاقَ وَالضَّلَالَ وَالْخُسْرَانَ. [٣٢/ ٢٥٥]
١٣٢١ - اعْلَمْ أَنَّ مَن لَمْ يُحْكم دَلَالَاتِ اللَّفْظِ ويَعْلَمْ أَنَّ ظُهُورَ الْمَعْنَى مِن اللَّفْظِ:
أ- تَارَةَ يَكُونُ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ أَو الْعُرْفِيِّ أَو الشَّرْعِيِّ؛ إمَّا فِي الْأَلْفَاظِ الْمُفْرَدَةِ، وَإمَّا فِي الْمُرَكَّبَةِ.
ب- وَتَارَةً بِمَا اقْتَرَنَ بِاللَّفْظِ الْمُفْرَدِ مِن التَّرْكِيبِ الَّذِي تتغَيَّرُ بِهِ دَلَالَتُهُ فِي نَفْسِهِ.
ج- وَتَارَةً بِمَا اقْتَرَنَ بِهِ مِن الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ الَّتِي تَجْعَلُهُ مَجَازًا.
د- وَتَارَةَ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَالُ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُخَاطَبِ وَالْمُتَكلَّمِ فِيهِ.
إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِن الْأَسْبَابِ الَّتِي تُعْطِي اللَّفْظَ صِفَةَ الظُّهُورِ.
وَإِلَّا فَقَد يُتَخَبَّطُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ.
نَعَمْ، إذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِاللَّفْظِ قَطُ شَيءٌ مِن الْقَرَائِنِ الْمُتَّصِلَةِ الَّتِي تُبَيِّنُ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ، بَل عُلِمَ مُرَادُهُ بِدَلِيل آخَرَ لَفْظِيٍّ مُنْفَصِلٍ: فَهُنَا أُرِيدَ بِهِ خِلَافُ الظَّاهِرِ؛ كَالْعُمُومِ الْمَخْصُوصِ بِدَلِيل مُنْفَصِلٍ.
وَإِن كَانَ الصَّارِفُ عَقْلِيًّا ظَاهِرًا: فَفِي تَسْمِيَةِ الْمُرَادِ خِلَافُ الظَّاهِرِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
وَبِالْجُمْلَةِ: فَإِذَا عُرِفَ الْمَقْصُودُ فَقَوْلُنَا: هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ أَو لَيْسَ هُوَ الظَّاهِرَ: خِلَافٌ لَفْظِيٌّ. [٣٣/ ١٨١ - ١٨٢]
* * *