أما إذا لم يتمكنوا من ذلك بسبب اختلاف الكلمة: فاضطروا إلى اختيار إحداها لِيُثبتوها في المصحف، واتفقوا على أن يجعلوها على لغة قريش ما أمكن؛ مثل: ١ - "فامضوا" {فَاسْعَوْا}. ٢ - "الْحَي الْقَيامُ" {الْحَيُّ الْقَيُّومُ}. ٣ - "صِرَاطَ مَنْ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ" {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}. ٤ - "إنْ كَانَتْ إلا زقية وَاحِدَةً" {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً}. ٥ - "وَالليْل إذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إذَا تَجَلَّى وَالذكَرِ وَالْأنْثَى" {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (١) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (٢) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٣)}. وَأمْثَال ذَلِكَ. وحينما لم يكتبوا كلمة فامضوا وغيرها لم يقولوا: بأننا ألغيناها وتركناها، بل لم يمنعوا أحدا: لا ابن مسعود ولا غيره من القراءة بها وبغيرِها. وقول من قال بأن المصاحفَ العثمانيةَ مشتملةٌ على الأحرف السبعة كلّها: يُخالفه الواقع وإجماع الأمة؛ فقد ثبتت قراءات لا يستريب عالم بالقراءات في صحتها وثبوتها عن الصحابة - رضي الله عنهم -، وهي تتجاوز المئات. ولا يمكن تخريج ذلك إلا على ما ذكرته آنفًا، بانها من القراءات التي اتفق الصحابة على عدم كتابتها في المصحف، وتركوا الناس يقرؤون بها فيما بينهم، ولم يمنعوهم منها. فأقرب ما يقال: بأن ما خرح عن دفتي المصحف مما صحت القراءة به لغة وسندًا: فهي من الأحرف السبعة التي أجمع الصحابة على عدم كتابتها في المصحف؛ جمعًا للكلمة. قال مُصْعَب بْن سَعْدٍ: "أدْرَكْتُ النَاسَ مُتَوَافِرِينَ حِينَ حَرَّقَ عُثْمَانُ الْمَصَاحِفَ، فَأعْجَبَهُمْ ذَلِكَ، وَقَالَ: لَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَحَدٌ". ولا ينفي ذلك حفظ الله للقرآن؛ لأنها محفوظةٌ كلّها، ويُحتج بها في اللغة وفي تفسير القرآن. فلا يعني عدم كتابتها في المصاحف أنها أُهملت وتُركت وضُيّعت. والقول بأنها نُسخت وتُركت: يفتح الباب على مصراعيه أمام طعن الأعداء في القرآن، حيث سيقولون: ألستم تقولون بأن القراءة تُعتبر آية؟ =