للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والقراء مِنْهُم مَن يَفْصِلُ بِهَا بَيْنَ السُّورَتَيْنِ، وَمِنْهُم مَن لَا يَفْصِلُ؛ لِكَوْنِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ كَلَامَ اللهِ فَلَا يَفْصِلُونَ بِهَا بَيْنَ السُّورَتَيْنِ، كَمَن سَمَّى إذَا أَكَلَ ثُمَّ أَكَلَ أَنْوَاعًا مِن الطَّعَامِ.

وَمِنْهُم مَن يُسَمِّي فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ، وَهَذَا أَحْسَنُ؛ لِمُتَابَعَتِهِ لِخَطِّ الْمُصْحَفِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ رَفْعِ طَعَامٍ وَوَضْعِ طَعَامٍ فَالتَّسْمِيَةُ عِنْدَهُ أَفْضَلُ.

وَكَذَلِكَ مَن ذَبَحَ شَاةً بَعْدَ شَاةٍ فَالتَّسْمِيَةُ عَلَى كُلِّ شَاة أَفْضَلُ، وَأَمَّا تِلَاوَتُهَا فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ فَهُوَ ابْتِدَاء بِهَا لِلْقُرْآنِ.

وَحِينَئِذٍ: فَيَكُونُ الَّذِينَ لَا يَقْرَؤُونَهَا قَد أَقْرَأهُم الرَّسُولُ وَلَمْ يُبَسْمِلْ، وَأُولَئِكَ أَقْرَأهُم وَبَسْمَلَ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ.

وَإِن كَانَ أَحَدُهُمَا أَفْضَلَ: لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فِي أَحَدِ الْحَرْفَيْنِ لَيْسَتْ مِن الْقُرْآنِ. بَل هَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ؛ كَالْحُرُوفِ الَّتِي ثَبَتَتْ فِي قِرَاءَةٍ دونَ قِرَاءَة، مِثْل: {مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البقرة: ٢٥] (١)، وَمِثْلُ: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ} [الحديد: ٢٤] (٢)؛ فَالزسُولُ يُجَوِّزُ إثْبَاتَ ذَلِكَ وَيُجَوِّزُ حَذْفَهُ، كِلَاهُمَا جَائِز فِي شَرْعِهِ (٣).

وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَن قَالَ مِن الْفُقَهَاءِ: إنَّهَا وَاجِبَة عَلَى قِرَاءَةِ مَن أَثْبَتَهَا، أَو مَكْرُوهَة عَلَى قِرَاءَةِ مَن لَمْ يُثْبِتْهَا: فَقَد غَلِطَ، بَل الْقُرآنُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ.

وَمَن قَرا بِإِحْدَى الْقِرَاءَاتِ لَا يُقَالُ: إنَّهُ كُلَّمَا قَرأَ يَجِبُ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا.


(١) قرأ ابن كثير وحده: {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ عَدْنٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ} [التوبة: ١٠٠] بزيادة: {مِنْ}.
وقرأ الباقون {تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ} بغير {مِنْ}.
(٢) قرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر {فَإِنَّ اللَّهَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحديد: ٢٤] بغير {هُوَ}.
وقرأ الباقون {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} بزيادة {هُوَ}.
(٣) وكذلك يُقال في البسملة، قرأها النبي - صلى الله عليه وسلم - في بداية السور وجعلها آية منها، ومرةً قرأ دون البسملة.

<<  <  ج: ص:  >  >>