للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قُلْت: هَذِهِ الرِّوَايَةُ نبَّهَ عَلَيْهَا الْبخَارِيُّ: وَقَالَ بَعْضُهُم: فِي ثَلَاثٍ.

فَالصَّحِيحُ عِنْدَهُم فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ انْتَهَى بِهِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلَى سَبْع (١)، كَمَا أَنَّهُ أَمَرَهُ ابْتِدَاءً بِقِرَاءَتِهِ فِي الشَّهْرِ، فَجَعَلَ الْحَدَّ مَا بَيْنَ الشَّهْرِ إلَى الْأسْبُوعِ.

وَأَمَّا رِوَايَةُ مَن رَوَى: "مَن قَرَأَ الْقرْآنَ فِي أَقَلَّ مِن ثَلَاثٍ لَمْ يَفْقَهْ" (٢) فَلَا تُنَافِي رِوَايَةَ التَّسْبِيعِ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ أَمْرًا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَا فِيهِ أَنَّهُ جَعَلَ قِرَاءَتَهُ فِي ثَلَاث دَائِمًا سنَّةً مَشْرُوعَةً، وَإِنَّمَا فِيهِ الْإِخْبَارُ بِأنَّ مَن قَرَأَهُ فِي أَقَلَّ مِن ثَلَاث لَمْ يَفْقَهْ، وَمَفْهُومُه مَفْهُومُ الْعَدَدِ، وَهُوَ مَفْهُومٌ صَحِيح أَنَّ مَن قَرَأَهُ فِي ثَلَاثٍ فَصَاعِدًا فَحُكْمُهُ نَقِيضُ ذَلِكَ، وَالتَّنَاقُضُ يَكُونُ بِالْمُخَالَفَةِ وَلَو مِن بَعْضِ الْوُجُوهِ.

فَإِذَا كَانَ مَن يَقْرَؤُهُ فِي ثَلَاثٍ أَحْيَانًا قَد يَفْقَهُهُ حَصَلَ مَقْصُودُ الْحَدِيثِ، وَلَا يَلْزَمُ إذَا شُرعَ فِعْلُ ذَلِكَ أَحْيَانًا لِبَعْضِ النَّاسِ أَنْ يَكُونَ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَحَبَّةً؛ وَلهَذَا لَمْ يعْلَمْ فِي الصَّحَابَةِ عَلَى عَهْدِهِ مَن دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ، أَعْنِي عَلَى قِرَاءَتِهِ دَائِمًا فِيمَا دُونَ السَّبْعِ، وَلهَذَا كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَد -رَحِمَه اللهُ- يَقْرَؤُهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ.

وَالْمَقْصُودُ بِهَذَا الْفَصْلِ أَنَّهُ إذَا كَانَ التَّحْزِيبُ الْمُسْتَحَبُّ مَا بَيْنَ أُسْبُوع إلَى شَهْرٍ .. فَالصَّحَابَةُ إنَّمَا كَانُوا يحزبونه سُوَرًا تَامَّةً، لَا يحزبون السُّورَةَ الْوَاحِدة كَمَا رَوَى أَوْسُ بْن حُذَيْفَةَ قَالَ: سَأَلْت أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كيْفَ تحزبون الْقُرْآنَ؟ قَالُوا: ثَلَاثٌ وَخَمْسس وَسَبْع وتسعٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ وَحِزْبُ الْمُفَصلِ وَاحِد. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهَذَا لَفْظُهُ وَأَحْمَد وَابْنُ مَاجَه.

وَهَذَا الْحَدِيثُ يُوَافِقُ مَعْنَى حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو فِي أَنَّ الْمَسْنُونَ كَانَ


(١) لكن ثبت عند البخاري (١٩٧٨) عنه، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اقْرَأ القُرْآنَ فِي كُل شَهْرٍ"، قَالَ: إِني أطِيقُ أكْثَرَ، فَمَا زَالَ حَتَّى قَالَ: "في ثَلَاثٍ".
(٢) رواه الترمذي (٢٩٤٩) بلفظ: "لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث"، وصححه الألباني.

<<  <  ج: ص:  >  >>