لِلشَّيءِ تَقْدِيرُهُ لَهُ، كَمَا أَنَّ الْقِيَاسَ أَصْلُهُ تَقْدِيرُ الشَّيءِ بِالشَّيءِ، وَمِنْهُ ضَرْبُ الدِّرْهَمِ وَهُوَ تَقْدِيرُهُ، وَضَرْبُ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ وَهُوَ تَقْدِيرُهمَا، وَالضَّرِيبَةُ الْمَقدَّرَةُ، وَالضرْبُ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ أَثَرُ الْمَاشِي بِقَدْرِهِ، وَكَذَلِكَ الضَّرْبُ بِالْعَصَا لِأَنَّهُ تَقْدِير الْأَلَمِ بِالآلَةِ وَهُوَ جَمْعُهُ وَتَألِيفُهُ وَتَقْدِيرُهُ، كَمَا أَنَّ الضَّرِيبَةَ هِيَ الْمَالُ الْمَجْمُوعُ.
وَضَرْبُ الْمِثْل لَمَّا كَانَ جَمْعًا بَيْنَ عِلْمَيْنِ يُطْلَبُ مِنْهُمَا عِلْم ثَالِث كَانَ بِمَنْزِلَةِ ضِرَابِ الْفَحْلِ الَّذِي يَتَوَلَّدُ عَنْهُ الْوَلَدُ.
وَضَرْبُ الْأَمْثَالِ فِي الْمَعَانِي نَوْعَانِ هُمَا نَوْعَا الْقِيَاسِ:
أَحَدُهُمَا: الْأَمْثَالُ الْمُعَينَةُ الَّتِي يُقَاسُ فِيهَا الْفَرْع بِأصْلٍ مُعَيَّنٍ مَوْجُودٍ أَو مُقَدَّر، وَهِيَ فِي الْقُرْآنِ بِضْع وَأَرْبَعُونَ مَثَلًا كَقَوْلِهِ: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} [البقرة: ١٧] إلَى آخِرِهِ.
وَالِاعْتِبَارُ هُوَ الْقِيَاسُ بِعَيْنِهِ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [آل عمران: ١٣].
النَّوْعُ الثانِي: الْأَمْثَالُ الْكُلِّيَّةُ، وَهَذِهِ الَّتِي أَشْكَلَ تَسْمِيَتُهَا أَمْثَالا، كَمَا أَشْكَلَ تَسْمِيَتُهَا قِيَاسًا، حَتَّى اعْتَرَضَ بَعْضُهُم قَوْلَهُ: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الحج: ٧٣] فَقَالَ: أَيْنَ الْمَثَل الْمَضْرُوبُ؟. وَهَذِهِ الْأَمْثَالُ تَارَةً تكونُ صِفَاتٍ، وَتَارَة تكونُ أَقْيِسَةً.
فَإِذَا كَانَت أَقْيِسَةً: فَلَابُدَّ فِيهَا مِن خَبَرَيْنِ هُمَا قَضِيتَانِ وَحُكْمَانِ، وَأَنَّه لَابُدَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا كُلِّيًّا.
وَأَيْضًا مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ: أَنَّ غَالِبَ الْأَمْثَالِ الْمَضرُوبَةِ وَالْأَقْيِسَةِ إنَّمَا يَكُونُ الْخَفِيُّ فِيهَا إحْدَى الْقَضِيّتَيْنِ، وَأَمَّا الأخْرَى فَجَلِيَّةٌ مَعْلُومَة، فَضَارِبُ الْمَثَلِ وَنَاصِبُ الْقِيَاسِ إنَّمَا يَحْتَاجُ أَنْ يُبَين تِلْكَ الْقَضِيَّةَ الْخَفِيَّةَ.
فَلِهَذَا كَانَتِ الْأَمْثَالُ الْمَضْرُوبَةُ فِي الْقُرْآنِ تُحْذَفُ مِنْهَا الْقَضِيَّةُ الْجَلِيَّةُ؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute