فِي ذِكرِهَا تَطْوِيلًا وَعِيًّا، وَكَذَلِكَ ذِكْرُ النَّتِيجَةِ الْمَقْصُودَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمُقَدّمَتَيْنِ يُعَدُّ تَطْوِيلًا.
وَاعْتبِرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢] مَا أَحْسَنَ هَذَا الْبُرْهَانَ! فَلَو قِيلَ بَعْدَهُ: وَمَا فَسَدَتَا، فَلَيْسَ فِيهِمَا آلِهَة إلَّا اللهُ، لَكَانَ هَذَا مِن الْكَلَامِ الْغَث الَّذِي لَا يُنَاسِبُ بَلَاغَةَ التَّنْزِيلِ.
وأَيْضًا: فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ مَدَارَ ضَرْبِ الْمَثَلِ وَنَصْبَ الْقِيَاسِ عَلَى الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، وَالسَّلْبِ وَالْإِيجَابِ؛ فَإِّنهُ مَا مِن خَبَر إلَّا وَهُوَ إمَّا عَامّ أَو خَاصّ: سَالِبٌ أَو مُوجَب، فَالْمُعَيَّنُ خَاصّ مَحْصُورٌ، وَالْجُزْئيُ أيْضًا خَاصّ غَيْرُ مَحْصُورٍ، وَالْمُطْلَقُ إمَّا عَام وَإما فِي مَعْنَى الْخَاصِّ.
فَيَنْبَغِي لِمَن أَرَادَ مَعْرِفَةَ هَذَا الْبَابِ أَنْ يَعْرِفَ صِيَغَ النَّفْي وَالْعُمُومِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَجِيءُ فِي الْقُرْآنِ عَلَى أَبْلَغِ نِظَام. [١٤/ ٥٤ - ٦٢]
١٣٦٦ - مَن تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ: تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر: ٢٣] يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، ويُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، لَيْسَ بِمُخْتَلِفٍ وَلَا بِمُتَنَاقِضٍ {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢].
وَهُوَ مَثَانِيَ، يُثَنّي اللهُ فِيهِ الْأَقْسَامَ ويسْتَوْفِيهَا.
وَالْحَقَائِقُ: إمَّا مُتَمَاثِلَة، وَهِيَ الْمُتَشَابِهُ، وَإِمَّا مُمَاثِلَة، وَهِيَ: الْأَصْنَافُ وَالْأَقْسَامُ وَالْأَنْوَاعُ، وَهِيَ الْمَثَانِي.
والتَّثْنِيَةُ يُرَادُ بِهَا: جِنْسُ التَّعْدِيدِ مِن غَيْرِ اقْتِصَارٍ عَلَى اثْنَيْنِ فَقَطْ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: ٤] يُرَادُ بِهِ: مُطْلَقُ الْعَدَدِ، كَمَا تَقُولُ: قُلْت لَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّة، تُرِيدُ: جِنْسَ الْعَدَدِ.
وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ تكْرَارٌ مَحْضٌ، بَل لَابُدَّ مِن فَوَائِدَ فِي كُلِّ خِطَابٍ.
فالْمُتَشَابِهُ فِي النَّظَائِرِ الْمُتَمَاثِلَةِ، والْمَثَانِي فِي الْأَنْوَاعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute