للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٥٣)} [الأعراف: ٥٢، ٥٣].

وَإِذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ: فَالْمتَشَابِهُ مِنَ الْأَمْرِ لَابُدَّ مِن مَعْرِفَةِ تَأوِيلِهِ؛ لِأَّنهُ لَا بُدَّ مِن فِعْلِ الْمَأمُورِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورِ، وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ؛ لَكِنْ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ فِي الْأَمْرِ مُتَشَابِهًا، فَإِنَّ قَوْلَهُ: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: ٧] قَد يُرَادُ بِهِ مِنَ الْخَبَرِ، فَالْمُتَشَابِهُ مِن الْخَبَرِ مِثْل مَا أَخْبَرَ بِهِ فِي الْجَنَّةِ مِن اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَالْعَسَلِ وَالْمَاءِ وَالْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ، فَإِنَّ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا فِي الدُّنْيَا تَشَابُهٌ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَمَعَ هَذَا فَحَقِيقَةُ ذَلِكَ مُخَالِفَة لِحَقِيقَةِ هَذَا، وَتلْكَ الْحَقِيقَةُ لَا نَعْلَمُهَا نَحْنُ فِي الدُّنْيَا وَقَد قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)} [السجدة: ١٧]. فَهَذَا الَّذِي وَعَدَ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ المؤمنين لَا تَعْلَمُهُ نَفْس هُوَ مِنَ التَّأوِيلِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللهُ. [١٧/ ٣٦٨ - ٣٧٣]

وَكَذَلِكَ وَقْتُ السَّاعَةِ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا الله وَأَشْرَاطهَا، وَكَذَلِكَ كَيْفِيَّاتُ مَا يَكُونُ فِيهَا مِن الْحِسَابِ وَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ وَالْحَوْضِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، لَا يَعْلَمُ كَيْفِيّتَهُ إلا اللهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ حَتَّى تَعْلَمَهُ الْمَلَائِكَةُ، وَلَا لَهُ نَظِيرٌ مُطَابِقٌ مِن كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى يُعْلَمَ بِهِ، فَهُوَ مِن تَأوِيلِ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللهُ.

وَكَذَلِكَ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّبُّ عَن نَفْسِهِ مِثْل اسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَكَلَامِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ كَيْفِيَّاتِ ذَلِكَ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللهُ.

١٣٨٢ - يُشْكِلُ عَلَى كَثِيرٍ مِن النَّاسِ آيات لَا يَفْهَمُونَ مَعْنَاهَا، وَغَيْرُهُم مِن النَّاسِ يَعْرِفُ مَعْنَاهَا، وَعَلَى هَذَا فَقَد يُجَابُ بِجَوَابَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِي الْآيَةِ قِرَاءَتَانِ، قِرَاءَةُ مَن يَقِفُ عَلَى قَوْلِهِ: {إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: ٧]. وَقِرَاءَةُ مَن يَقِف عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: ٧] وَكِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ حَقٌّ، ويُرَادُ بِالْأُولَى الْمُتَشَابِهُ فِي نَفْسِهِ الَّذِي اسْتَأثَرَ اللهُ بِعِلْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>