للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تَأْوِيلِهِ، وَيُرَادُ بِالثَّانِيَةِ الْمُتَشَابِهُ الْإِضَافِيُّ الَّذِي يَعْرِفُ الرَّاسِخُونَ تَفْسِيرَهُ، وَهُوَ تَأْوِيلُهُ.

وَالْجَوَابُ الثَّانِي: الْقَطْعُ بِأَنَّ الْمُتَشَابِهَ الْمَذْكُورَ فِي الْقُرْآنِ هُوَ تَشَابُهُهَا فِي نَفْسِهَا اللَّازِمِ لَهَا، وَذَاكَ الَّذِي لَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللّهُ، وَأَمَّا الْإِضَافِيُّ الْمَوْجُودُ فِي كَلَامِ مَن أَرَادَ بِهِ التَّشَابُهَ الْإِضَافِيَّ: فَمُرَادُهُم أَنَّهُم تَكلَّفوا فِيمَا اشْتَبَهَ مَعْنَاهُ وَأَشْكَلَ مَعْنَاهُ عَلَى بَعْضِ. النَّاسِ، وَأَنَّ الْجَهْمِيَّة اسْتَدَلُّوا بِمَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِم وَأَشْكَلَ، وَإِن لَمْ يَكُن هُوَ مِنَ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي لَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللهُ، وَكَثِيرًا مَا يَشْتَبِهُ عَلَى الرَّجُلِ مَا لَا يَشْتَبِهُ عَلَى غَيْرِهِ.

فَإِنَّ قَوْلَ اللّهِ تَعَالَى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: ٧]، لَمْ يُرِدْ بِهِ هُنَا الْإِحْكَامَ الْعَامَّ وَالتَّشَابُهَ الْعَامَّ الَّذِي يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ آيَاتِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} [هود: ١]، وَفِي قَوْلِهِ: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الزمر: ٢٣] فَوَصَفَهُ هُنَا كُلَّهُ بِأنَّهُ مُتَشَابِة؛ أَيْ: مُتَّفِقٌ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ، يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَهُوَ عَكسُ الْمُتَضَادِّ الْمُخْتَلِفِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢] .. فَإِنَّ هَذَا التَّشَابُهَ يَعُمُّ الْقُرْآنَ، كَمَا أَنَّ إحْكَامَ آيَاتِهِ تَعُمُّهُ كُلَّهُ، وَهُنَا قَد قَالَ: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} فَجَعَلَ بَعْضَهُ مُحْكَمًا وَبَعْضَهُ مُتَشَابِهًا.

فَصَارَ التَّشَابُهُ لَهُ مَعْنيانِ، وَلَهُ مَعْنًى ثَالِثٌ، وَهُوَ الْإِضَافِيُّ، يُقَالُ: قَد اشْتَبَهَ عَلَيْنَا هَذَا؛ كَقَوْلِ بَنِي إسْرَائِيلَ: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [البقرة: ٧٠]، وَإِن كَانَ فِي نَفْسِهِ مُتَمَيِّزًا مُنْفَصِلًا بَعْضهُ عَن بَعْضٍ.

وَهَذَا مِن بَابِ اشْتِبَاهِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ؛ كَقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَدِيثِ: "الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُتَشَابِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كثِيرٌ مِن النَّاسِ" (١) فَدَلَّ


(١) رواه البخاري (٥٢)، ومسلم (١٥٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>