للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَالْقَوْلُ الثانِي: أَنَّ الْآيَةَ عَلَى مُقْتَضَاهَا، وَالْمُرَادُ بِهَا أَنَّ الْإِنْذَارَ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَافِرِ مَا دَامَ كَافِرًا لَا يَنْفَعُهُ الْإِنْذَارُ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ كَمَا قِيلَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْآيَاتِ أَنَّهَا غَيْرُ مُوجِبَةٍ لِلْإِيمَانِ.

وَقَد جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ: {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: ١٠١] فالآيَاتُ لِمَن إذَا عَرَفَ الْحَق عَمِلَ بِهِ، فَهَذَا تَنْفَعُهُ الْحِكْمَةُ.

وَالْإِنْذَارُ لِمَن يَعْرِفُ الْحَقَّ وَلَهُ هَوً ى يَصُدُّهُ، فَيُنْذَرُ بِالْعَذَابِ الَّذِي يَدْعُوهُ إلَى مُخَالَفَةِ هَوَاهُ، وَهُوَ خَوْفُ الْعَذَابِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَآخَرُ لَا يَقْبَلُ الْحَقَّ فَيَحْتَاجُ إلَى الْجَدَلِ فَيُجَادَلُ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.

وَالدُّعَاءُ وَالتَّعْلِيمُ وَالْإِرْشَادُ، وَكُلُّ مَا كَانَ مِن هَذَا الْجِنْسِ: لَهُ فَاعِل وَهُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِالْعِلْمِ وَالْهُدَى وَالنِّذَارَةِ، وَلَهُ قَابِلٌ وَهُوَ الْمُسْتَمِعُ، فَإِذَا كَانَ الْمُسْتَمِعُ قَابِلًا حَصَلَ الْإِنْذَارُ التَّامُّ وَالتَّعْلِيمُ التَامُّ وَالْهُدَى التَّامُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُن قَابِلًا قِيلَ: عَلَّمْته فَلَمْ يَتَعَلَّمْ، وَهَدَيْته فَلَمْ يَهْتَدِ، وَخَاطَبْته فَلَمْ يُصْغِ وَنَحْو ذَلِكَ.

فَقَوْلُهُ فِي الْقُرْآنِ: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: ٢] هُوَ مِن هَذَا، إنَّمَا يَهْتَدِي مَن يَقْبَلُ الاِهْتِدَاءَ وَهُم الْمتَّقُونَ، لَا كُلُّ أَحَدٍ.

وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُم كَانُوا مُتَّقِينَ قَبْلَ اهْتِدَائِهِمْ، بَل قَد يَكُونُوا كُفَّارًا، لَكِنْ إنَّمَا يَهْتَدِي بِهِ مِن كَانَ مُتَّقِيًا.

فَمَنِ اتَّقَى اللّهَ اهْتَدَى بِالْقُرْآنِ.

وَهَكَذَا قَوْلُهُ: {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} [يس: ٧٠] الْإِنْذَارَ التَّامَّ، فَإِنَّ الْحَيَّ يَقْبَلُهُ؛ وَلهَذَا قَالَ: {وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} [يس: ٧٠] فَهُم لَمْ يَقْبَلُوا الْإِنْذَارَ.

وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (٤٥)} [النازعات: ٤٥]، وَعَكْسُهُ قَوْلُهُ: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة: ٢٦]؛ أَيْ: كُلُّ مَن ضَلَّ بِهِ فَهُوَ فَاسِقٌ، فَهُوَ ذَمّ لِمَن يَضِلُّ بِهِ فَإِنَّهُ فَاسِقٌ، لَيْسَ أَنَّهُ كَانَ فَاسِقًا قَبْلَ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>