للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدُهُمَما: أَنَّهُ قَد فَعَلَ ذَلِكَ بِالْمُؤمِنِينَ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ، وَالْإِيمَانُ الْمُطْلَقُ يَتَضَمَّنُ طَاعَةَ اللّهِ وَرَسُولِهِ، فَمَن لَمْ يَكن كَذَلِكَ نَقَصَ إيمَانُهُ الْوَاجِبُ؛ فَيَسْتَحِقُّ مِن سَلْبِ هَذِهِ النِّعَمِ بِقَدْرِ النَّقْصِ، وَيُعَوِّقُ اللّهُ عَلَيْهِ مَلَاذَّ ذَلِكَ، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ مِن الْجَزَاءِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مَن قَامَ بِالْإِيمَانِ الْوَاجِبِ.

الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: هَذَا الدُّعَاءُ اُسْتُجِيبَ لَهُ فِي جُمْلَةِ الْأَمَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِن ذَلِكَ ثُبُوتُهُ لِكُلِّ فَرْدٍ.

وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ صَحِيحٌ.

وَأَمَّا دَفْعُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَدَفْعُ الْآصَارِ: فَإِنَّ هَذَا قَد يُشْكِلُ؛ لِأَنَّهُ مِن بَابِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ؛ -أَحْكَامِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ-. فَيُقَالُ: الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ الْمَرْفُوعُ عَن الْأُمَّةِ مَرْفُوعٌ عَن عُصَاةِ الْأُمَّةِ؛ فَإِنَّ الْعَاصِيَ لَا يَأْثَمُ بِالْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ؛ فَإِنَّهُ إذَا أَكَلَ نَاسِيًا أَتَمَّ صَوْمَهُ، سَوَاءٌ كَانَ مُطِيعًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ أَو عَاصِيًا، فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُشْكِلُ وَعَنْهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الذُّنُوبَ وَالْمَعَاصِيَ قَد تَكُونُ سَبَبًا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَد يَفْعَلُ شَيْئًا نَاسِيًا أَو مُخْطِئًا وَيَكُونُ لِتَقْصِيرِهِ فِي طَاعَةِ اللّهِ عِلْمًا وَعَمَلًا لَا يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ؛ إمَّا لِجَهْلِهِ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ لَيْسَ هُنَاكَ مَن يُفْتِيهِ بِالرُّخْصَةِ فِي الْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ.

وَالْعُلَمَاءُ قَد تَنَازَعُوا فِي كَثِيرٍ مِن مَسَائِلِ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ، وَاعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنْهُم بُطْلَانَ الْعِبَادَاتِ أَو بَعْضِهَا بِهِ؛ كَمَن يُبْطِلُ الصَّوْمَ بِالنِّسْيَانِ، وَآخَرُونَ بِالْخَطَإِ، وَكَذَلِكَ الْإِحْرَامُ، وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ فِي الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ إذَا فَعَلَ الْمَخْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا أَو مُخْطِئًا، فَإِذَا كَانَ اللّهُ سُبْحَانَهُ قَد نَفَى الْمُؤَاخَذَةَ بِالْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، وَخَفِيَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ عَلَى كَثِيرٍ مِن عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، كَانَ هَذَا عُقُوبَةً لِمَن لَمْ يَجِدْ فِي نَفْسِهِ ثِقَةً إلَّا هَؤُلَاءِ فَيُفْتُونَهُ بِمَا يَقْتَضِي مُؤَاخَذَتَهُ بِالْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ، فَلَا يَكُونُ مُقْتَضَى هَذَا الدُّعَاءِ حَاصِلًا فِي حَقِّهِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ لَا لِنَسْخِ الشَّرِيعَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>