للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَالْوُسْعُ: فِعْلٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ؛ أَيْ: مَا يَسَعُهُ، لَا يُكَلِّفُهَا مَا تضِيقُ عَنْهُ فَلَا تَسَعُهُ، وَهُوَ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ الْمُسْتَطَاعُ.

١٤٣٩ - قَالَ اللّه تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] تَأمَّلْ قَوْلَهُ عز وجل: {وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] كَيْفَ تَجِدُ تَحْتَهُ أَنَّهُم فِي سَعَةٍ وَمِنْحَةٍ مِن تَكَالِيفِهِ، لَا فِي ضِيقٍ وَحَرَجٍ وَمَشَقَّةٍ، فَإِنَّ الْوُسْعَ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَاقْتَضَتْ الْآيَةُ أَنَّ مَا كَلَّفَهُم بِهِ مَقْدُورٌ لَهُم مِن غَيْرِ عُسْرٍ لَهُم وَلَا ضِيقٍ وَلَا حَرِجٍ. [١٤/ ١٣٨]

١٤٤٠ - فصل: فِي الدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ فِي آخِرِ (سُورَةِ الْبَقَرَةِ) وَهُوَ قَوْلُهُ: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} إلَى آخِرِهَا، قَد ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: "أَنَّهُ قَالَ: قَد فَعَلْت".

قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إذَا كَانَ هَذَا الدُّعَاءُ قَد أُجِيبَ فَطَلَبُ مَا فِيهِ مِن بَابِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَهَذَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ عِبَادَة مَحْضَةً لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهِ السُّؤَالَ.

وَقَد بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَؤُلَاءِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .. وَذَكَرْنَا أَنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ هُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ أَنَّ الدُّعَاءَ وَالتَّوَكُّلَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ سَبَبٌ فِي حُصُولِ الْمَدْعُوِّ بِهِ مِن خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْمَعَاصِي سَبَبٌ، وَأَنَّ الْحُكْمَ الْمُعَلَّقَ بِالسَّبَبِ قَد يَحْتَاجُ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ وَانْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ، فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ حَصَلَ الْمُسَبَّب بِلَا رَيْبٍ.

وَقَد أُجِيبَ بِجَوَابٍ آخَرَ: وَهُوَ أَنَّ اللّهَ تَعَالَى إذَا قَدَّرَ أَمْرًا فَإِنَّهُ يُقَدِّرُ أَسْبَابَهُ، وَالدُّعَاءُ مِن جُمْلَةِ أَسْبَابِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا قَدَّرَ النَّصْرَ يَوْمَ بَدْرٍ وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ وُقُوعِهِ أَصْحَابَهُ بِالنَّصْرِ وَبِمَصَارعِ الْقَوْمِ كَانَ مِن أَسْبَابِ ذَلِكَ اسْتِغَاثَةُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَدُعَاؤُهُ، وَكَذَلِكَ مَا وَعَدَهُ بِهِ رَبُّهُ مِن الْوَسِيلَةِ وَقَد قَضَى بِهَا لَهُ وَقَد أَمَرَ أُمَّتَهُ بِطَلَبِهَا لَهُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدَّرَهَا بِأَسْبَاب مِنْهَا مَا سَيَكُونُ مِن الدُّعَاءِ.

وَقَوْلُ اللهِ: "قَد فَعَلْت" يُقَالُ فِيهِ شَيْئَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>