للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَالْمَقْصُودُ: أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ رِوبِّيُّونَ كَثيرٌ وَقُتِلَ فِي الْجُمْلَةِ، وَأُولَئِكَ الرِّبِّيُّونَ {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا} [آل عمران: ١٤٦] (١). [١٤/ ٣٧٣]

١٤٥٦ - أَخْبَرَ اللهُ فِي الْقرْآنِ أَنَ عِيسَى قَالَ لَهُمْ: {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: ٥٠]، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَحَلَّ الْبَعْضَ دُونَ الْجَمِيعِ، وَأَخْبَرَ عَن الْمَسِيح أَنَّهُ عَلَّمَهُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ بِقَوْلِهِ: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨)} [آل عمران: ٤٨]، وَمِن الْمَعْلُوم أَنَّهُ لَوْلَا أَنَّهُ مُتَّبعٌ لِبَعْضِ مَا فِي التَّوْرَاةِ لَمْ يَكُن تَعَلُّمُهَا لَهُ مِنَّةً، أَلَا تَرَىَ أَنَّا نَحْن لَمْ نُؤْمَرْ بِحِفْظِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَإِن كَانَ كَثِيرٌ مِن شَرَائِعِ الْكِتَابَيْنِ يُوَافِق شَرِيعَةَ الْقرْآنِ، فَهَذَا وَغَيْرُهُ يُبَيِّنُ مَا ذَكَرَهُ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ مِن أَنَّ الْإِنْجِيلَ لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَحْكَامٌ قَلِيلَة، وَأَكْثَرُ الْأحْكَامِ يَتْبَعُ فِيهَا مَا فِي التَّوْرَاةِ؛ وَبِهَذَا يَحْصُلُ التَّغَايُرُ بَيْنَ الشرعتين.

وَلهَذَا كَانَ النَّصَارَى مُتَّفِقِينَ عَلَى حِفْظِ التَّوْرَاةِ وَتلَاوَتهَا كَمَا يَحْفَظُونَ الْإِنْجِيلَ؛ وَلهَذَا لَمَّا سَمِعَ النَّجَاشِيُّ الْقُرْآنَ قَالَ: إنَّ هَذَا وَاَلَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِن مِشْكَاةٍ وَاحِدَة. [١٦/ ٤٣ - ٤٤]

١٤٥٧ - قَوْله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [آل عمران: ١٦٤]، الْمِنَّةُ عَلَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ عَرَبِهِم وَعَجَمِهِمْ سَابِقِهِمْ


(١) قال العلَّامة ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: قِيلَ: مَعْنَاهُ: كَمْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِل وَقُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ مِنْ أصْحَابهِ كَثيرٌ.
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ ..
وَقِيلَ: وَكَمْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ أَصْحَابهِ رِبِّيُّونَ كَثيرٌ.
وَكَلَامُ ابْنِ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ يَقْتَضِي قَوْلًا آَخَرَ، فَإِنَّهُ قَالَ: أيْ: وَكَأَيْنٍ مِنْ نَبِيٍّ أَصَابَهُ الْقَتْلُ، وَمَعَهُ رِبِّيُّونَ؛ أَيْ: جَمَاعَاتٌ فَمَا وَهَنُوا بَعْدَ نَبِيِّهِمْ، وَمَا ضَعُفُوا عَنْ عَدُوِّهِمْ، وَمَا اسْتَكَانُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي الْجِهَادِ عَنِ اللهِ وَعَنْ دِينِهِم، وَذَلِكَ الصَّبْرُ، {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}.
فَجَعَلَ قَوْلَهُ: {مَعَهُ رِبِّيُّونَ} حَالًا وَقَد نَصَرَ هَذَا الْقَوْلَ السُّهَيْلِيُّ وَبَالَغَ فِيهِ، وَلَهُ اتِّجَاهٌ لِقَوْلِهِ: {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ} الْآيَةَ. اهـ. تفسير ابن كثير (٢/ ١٣٠).
قلت: وهذا القول هو الذي نصره شيخ الإسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>