وَلَاحِقِهِمْ، وَالرَّسُولُ مِنْهُم لِأَنَّهُ إنْسِيٌّ مُؤْمِنٌ، وَهُوَ مِنَ الْعَرَب أَخَصُّ لِكَوْنِهِ عَرَبِيًّا جَاءَ بِلِسَانِهِمْ، وَهُوَ مِن قُرَيْشٍ أَخَصّ.
والْخُصُوصُ يُوجِبُ قِيَامَ الْحُجَّةِ، لَا يُوجِبُ الْفَضْلَ إلَّا بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى؛ لِقَوْلِهِ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣]، وَلهَذَا كَانَ الْأَنْصَارُ أَفْضَلَ مِن الطُّلَقَاءِ مِن قُرَيْشٍ، وَهُم لَيْسُوا مِن رَبِيعَةَ وَلَا مُضَرَ بَل مِن قَحْطَانَ.
فَقَوْلُهُ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ} [التوبة: ١٢٨] يَخُصُّ قُرَيْشًا وَالْعَرَبَ، ثُمَّ يَعُمُّ سَائِرَ الْبَشَرِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ خِطَابٌ لَهُمْ، وَالرَّسُولُ مِن أَنْفُسِهِمْ، وَالْمَعْنَى: لَيْسَ بِمَلَك لَا يُطِيقُونَ الْأَخْذَ مِنْهُ وَلَا جِنِّيٍّ.
ثُمَّ يَعُمُّ الْجِنَّ؛ لِأنَّ الرَّسُولَ أُرْسِلَ إلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَالْقُرْآنُ خِطَاب لِلثَّقَلَيْنِ، وَالرَّسُولُ مِنْهُم جَمِيعًا، كَمَا قَالَ: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام؛ ١٣٠] فَجَعَلَ الرُّسُلَ الَّتِي أَرْسَلَهَا مِن النَّوْعَيْنِ، مَعَ أَنَّهُم مِن الْإِنْسِ، فَإِنَّ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ مُشْتَرِكُونَ مَعَ كَوْنِهِمْ أَحْيَاءً نَاطِقِينَ مَأَمُورِينَ مَنْهِيِّينَ، فَإِنَّهُم يَأكُلُونَ وَيشْرَبُونَ وَيَنْكحُونَ وَينْسِلُونَ وَيَغْتَذُونَ وينْمُونَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمْ، وَهُم يَتَمَيَّزُونَ بِهَا عَنِ الْمَلَائِكَةِ؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَأْكُلُ وَلَا تَشْرَبُ وَلَا تَنْكِحُ وَلَا تَنْسِل، فَصَارَ الرَّسُولُ مِن أَنْفُسِ الثَّقَلَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْقَدْر الْمُشْتَرِك بَيْنَهُم الَّذِي تَمَيَّزُوا بِهِ عَنِ الْمَلَائِكَةِ، حَتَّى كَانَ الرَّسُولُ مَبْعُوثًا إلَى الثَّقَلَيْنِ دُونَ الْمَلَائِكَةِ. [١٦/ ١٩١ - ١٩٢]
١٤٥٨ - قوْله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: ٧]، مَن قالَ: لا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللهُ فَأَرَادَ بِهِ مَا يَؤَولُ إلَيْهِ الْكَلَامُ مِن الْحَقَائِقِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللهُ.
وَمَن قَالَ: إنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ التَّأْوِيلَ فَالْمُرَادُ بِهِ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ الَّذِي بَيّنهُ الرَّسُولُ وَالصَّحَابَةُ.
وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي لَفْظِ "التَّأْوِيلِ" عَلَى الْمَعْنَى الْمَرْجُوحِ، وَأَنَّهُ حَمْلُ اللَّفْظِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute