وقَوْله تَعَالَى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور: ٢٦] .. جَاءَ الْحَصْرُ مِن الْجَانِبَيْن مُوَافِقًا لِقَوْلِهِ: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ}.
وَقَد مَضَتْ سُنَّةُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ سَوَاءٌ حَصَلَتِ الْفُرْقَة بِتَلَاعُنِهِمَا أَو احْتَاجَتْ إلَى تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ أَو حَصَلَتْ عِنْدَ انْقِضَاءِ لِعَانِ الزَّوْجِ؛ لِأنَّ أحَدَهُمَا مَلْعُون أو خَبِيث، فَاقْتِرَانُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ يَقْتَضِي مُقَارَنَةَ الْخَبِيثِ الْمَلْعُونِ لِلطَّيِّبِ.
وَفي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" (١) عَن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْن حَدِيثُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَعَنَتْ نَاقَةً لَهَا فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخَذَ مَا عَلَيْهَا وَأُرْسِلَتْ وَقَالَ: "لَا تَصْحَبُنَا نَاقَةٌ مَلْعُونَةٌ".
وَهَكَذَا السُّنَّةُ فِي مُقَارِنَةِ الظَّالِمِينَ وَالزُّنَاةِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ وَالْفُجُورِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدِ أَنْ يُقَارِنَهُم وَلَا يُخَالِطَهُم إلَّا عَلَى وَجْهٍ يَسْلَمُ بِهِ مِن عَذَابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُنْكِرًا لِظُلْمِهِمْ، مَاقِتًا لَهُم شَانِئًا مَا هُم فِيهِ بِحَسَبِ الْإمْكَانِ.
وَذَلِكَ أَنَّ مُقَارَنَةَ الْفُجَّارِ إنَّمَا يَفْعَلُهَا الْمُؤمِنُ فِي مَوْضِعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُكْرَهًا عَلَيْهَا.
وَالثانِي: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ رَاجِحَةٍ عَلَى مَفْسَدَةِ الْمُقَارَنَةِ أَو أَنْ يَكُونَ فِي تَرْكِهَا مَفْسَدَةٌ رَاجِحَة فِي دِينِهِ فَيَدْفَعُ أَعْظَمَ الْمَفْسَدَتَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَدْنَاهُمَا.
فَالْمُصَاحَبَة وَالْمُصَاهَرَةُ وَالْمُؤَاخَاةُ لَا تَجُوزُ إلَّا مَعَ أَهْلِ طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى
(١) (٢٥٩٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute