للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى مُرَادِ اللهِ، وَيدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي فِي "السُّنَنِ" (١): "لَا تُصَاحِبْ إلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأكلْ طَعَامَك إلَّا تَقِيٌّ".

الْمُؤْمِنُ مُحْتَاجٌ إلَى امْتِحَانِ مَن يُرِيدُ أَنْ يُصَاحِبَهُ وَيُقَارِنَهُ بِنِكَاحٍ وَغَيْرِهِ، قَالَ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} [الممتحنة: ١٠].

وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الَّتِي زَنَى بِهَا الرَّجُلُ فَإِنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُ بِهَا إلَّا بَعْدَ التَّوْبَةِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسّنَّةُ وَالْآثَارُ.

لَكِنْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَمْتَحِنَهَا هَل هِيَ صَحِيحَةُ التَّوْبَةِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَن أَحْمَد: أَنَّهُ يُرَاوِدُهَا عَن نَفْسِها، فَإِنْ أَجَابَتْهُ لَمْ تَصِحَّ تَوْبَتُهَا، وَإِن لَمْ تُجِبْهُ فَقَد تَابَتْ.

ثُمَّ إنَّهُ سُبْحَانَهُ نَهَى الْمَظْلُومَ بِالْقَذْفِ أَنْ يَمْنَعَ مَا يَنْبَغِي لَهُ فِعْلُهُ مِن الْإِحْسَانِ إلَى ذَوِي قَرَابَتِهِ وَالْمَسَاكِينِ وَأَهْلِ التَّوْبَةِ، وَأَمَرَهُ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ (٢)؛ فَإِنَّهُم كَمَا يُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُم فَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا وَلْيَغْفِرُوا، وَلَا ريبَ أَنَّ صِلَةَ الْأَرْحَامِ وَاجِبَةٌ، وَإِيتَاءَ الْمَسَاكِينِ وَاجِبٌ، وَإِعَانَةَ الْمُهَاجِرِينَ وَاجِبٌ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ مَا يَجِبُ مِن الْإِحْسَانِ لِلْإِنْسَانِ بِمُجَرَّدِ ظُلْمِهِ وَإِسَاءَتِهِ فِي عِرْضِهِ (٣)، كَمَا لَا يَمْنَعُ الرَّجُلُ مِيرَاثَهُ وَحَقَّهُ مِن الصَّدَقَاتِ وَالْفَيءِ بِمُجَرَّدِ ذَنْبٍ مِن الذُّنُوبِ، وَقَد يُمْنَعُ مِن ذَلِكَ لِبَعْضِ الذُّنُوبِ.


(١) رواه أبو داود (٤٨٣٢)، والترمذي (٢٣٩٥)، والإمام أحمد (١١٣٣٧)، وحسَّنه الترمذي والألباني ومحققو المسند وغيرهم.
(٢) في قوله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢)} [النور: ٢٢].
(٣) ليت كلام هذا يصل إلى كثير من الأقارب المتقاطعين لأجل تفاهات وسوء تفاهم، أو لأجل حُطام الدنيا.

<<  <  ج: ص:  >  >>