للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا نَفْسُ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فَيَجُوزُ أَنْ يَبْنِيَهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ، وَذَلِكَ يُسَمَّى بِنَاءً. [١٧/ ٤٩٩]

١٥٠١ - قَالَ تَعَالَى: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩)} [التوبة: ٣٩]، هَذَا خِطَابٌ لِكُلِّ قَرْنٍ، وَقَد أَخْبَرَ فِيهِ أَنَّهُ مَن نَكَلَ عَنِ الْجِهَادِ الْمَأمُورِ بِهِ عَذَّبَهُ وَاسْتَبْدَلَ بِهِ مَن يَقُومُ بِالْجِهَادِ، وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ. [١٨/ ٣٠١]

١٥٠٢ - فِي الْمُؤْمِنِينَ مَن قَد يَكُونُ سَمَّاعًا لِلْمُنَافِقِينَ كَمَا قَالَ: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة: ٤٧]، وَبَعْضُ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّ الْمَعْنَى: سَمَّاعُونَ لِأَجْلِهِمْ، بِمَنْزِلَةِ الْجَاسُوسِ؛ أَيْ: يَسْمَعُونَ مَا يَقُولُ وينْقُلُونَهُ إلَيْهِمْ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} [المائدة: ٤١] " أَيْ: لِيَكْذِبُوا: أَنَّ اللَّامَ لَامُ التَّعْدِيَةِ لَا لَامُ التَّبَعَيَّةِ.

وَلَيْسَ هَذَا مَعْنَى الْآيَتَيْنِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى: فِيكُمْ مَن يَسْمَعُ لَهُم؛ أَيْ: يَسْتَجِيبُ لَهُم ويتْبَعُهُم، كَمَا فِي قَوْلِهِ: "سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَهُ" اسْتَجَابَ اللهُ لِمَن حَمِدَهُ؛ أَيْ: قَبِلَ مِنْهُ، يُقَالُ: فُلَانٌ يَسْمَعُ لِفُلَانٍ؛ أَيْ: يَسْتَجِيبُ لَهُ وَيُطِيعُهُ.

مِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أنَّه قَالَ: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة؛ ٤٢]، فَذَكَرَ مَا يَدْخُلُ فِي آذَانِهِمْ وَقُلُوبِهِم مِن الْكَلَامِ، وَمَا يَدْخلُ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَبُطُونِهِمْ مِن الطَّعَامِ: غِذَاءِ الْجُسُومِ وَكِذَاءِ الْقُلُوبِ، فَإِنَّهُمَا غِذَاءَانِ خَبِيثَانِ: الْكَذِبُ وَالسُّحْتُ، وَهَكَذَا مَن يَأْكلُ السُّحْتَ مِن الْبِرْطِيلِ (١) وَنَحْوِهِ: يَسْمَعُ الْكَذِبَ كَشَهَادَةِ الزُّورِ.

فَلَمَّا كَانَ هَؤُلَاءِ: يَسْتَجِيبُونَ لِغَيْرِ الرَّسُولِ، كَمَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُ إذَا وَافَقَ آرَاءَهُم وَأَهْوَاءَهُمْ: لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ؛ فَإِنَّهُم مُتَخَيّرُونَ بَيْنَ الْقَبُولِ مِنْهُ


(١) أي: الرِّشْوَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>