للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلُه: {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ، بَل قَد يَكُونُ اسْمَ مَصْدَرٍ أُقِيمَ مَقَامَهُ؛ كَقَوْلِهِ: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (١٧)} [نوح: ١٧]، وإن جُعِلَ مَصْدَرَ (قَصَّ الْأَثَرَ) لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرَ (قَصَّ الْحَدِيثَ)؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ خَبَرٌ وَنَبأٌ، فَكَانَ لَفْظُ قَصَصٍ كَلَفْظِ خَبَرٍ وَنبأٍ وَكَلَامٍ.

وَأَسْمَاءُ الْمَصَادِرِ فِي بَابِ الْكَلَامِ تَتَضَمَّنُ الْقَوْلَ نَفْسَهُ، وَتَدُلُّ عَلَى فِعْل الْقَائِلِ بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ وَاللُّزُومِ، فَإنَّك إذَا قُلْت: الْكَلَامُ وَالْخَبَرُ وَالْحَدِيثُ وَالنَّبَأَ وَالْقَصَصُ، لَمْ يَكُن مِثْل قَوْلِك: التَّكلِيمُ وَالْإِنْبَاءُ وَالْإِخْبَارُ وَالتَّحْدِيثُ، وَلهَذَا يُقَالُ إنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ، وَاسْمُ الْمَصْدَرِ يَنْتَصِبُ عَلَى الْمَصْدَرِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (١٧)} فَإِذَا قَالَ: كَلَّمْته كَلَامًا حَسَنًا، وَحَدَّثْته حَدِيثًا طَيِّبًا، وَأَخْبَرْته أَخْبَارًا سَارَّةً، وَقَصَصْت عَلَيْهِ قِصَصًا صَادِقَةَ وَنَحْو ذَلِكَ، كَانَ هَذَا مَنْصوبًا عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ، لَمْ يَكُن هَذَا كَقَوْلِك: كَلَّمْته تَكْلِيمًا وَأَنْبَأته إنْبَاءً، فَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ: {أَحْسَنَ الْقَصَصِ} مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ، وَكُلُّ مَا قَصَّهُ اللهُ فَهُوَ أَحْسَنُ الْقَصَصِ.

وهُمْ (١) كُلُّهُم مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ الْمَتْلُوَّ هُوَ الْقُرْآنُ الْعَرَبِي الَّذِي نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن اللهِ بِالْحَقّ، وَهُوَ كَلَامُ اللهِ الَّذِي تَكلَّمَ بِهِ.

وَلَكِنْ تَنَازَعُوا فِي تِلَاوَةِ الْعِبَادِ لَهُ (٢): هَل هِيَ الْقُرْآنُ نَفْسُهُ، أَمْ هِيَ الْفِعْلُ الَّذِي يَقْرأُ بِهِ الْقُرْآنَ؟

وَالتَّحْقِيقُ أنَّ لَفْظَ "التِّلَاوَةِ" يُرَادُ بِهِ هَذَا وَهَذَا (٣).

وَلَفْظُ "الْقُرْآنِ" يُرَادُ بِهِ الْمَصدَرُ (٤)، ويُرَادُ بِهِ الْكَلَامُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨)} [القيامة: ١٧، ١٨]، وَفِي


(١) أي: أَهْل السُّنَّة.
(٢) أي: نطقهم للقرآن.
(٣) أي: يراد به كلام الله، ويراد به حركة اللسان في القراءة.
(٤) أي: مصدر قرأ، بمعنى تلا وهو حركة اللسان، ويراد به الكلام نفسُه، وهو كلام الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>