فِي قِصَصٍ بِالْكَسْرِ، وَاحِدُهُ قِصَّة، وَالْقِصَّةُ هِيَ الأمْرُ وَالْحَدِيثُ الَّذِي يُقَصُّ، فِعْلَةُ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَجَمْعُهُ قِصَصٌ بِالْكَسْرِ، وَقَوْلُهُ: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} بِالْفَتْحِ لَمْ يَقُلْ أَحْسَنَ الْقِصَصِ بِالْكَسْرِ وَلَكِنْ بَعْضُ النَّاسِ ظَنُّوا أَنَّ الْمُرَادَ أَحْسَنُ الْقِصَصِ بِالْكَسْرِ، وَأَنَّ تِلْكَ الْقِصَّةَ قِصَّةُ يُوسُفَ، وَذَكَرَ هَذَا طَائِفَةٌ مِن الْمُفَسِّرِينَ، ثُمَّ ذَكَرُوا: لِمَ سُمِّيَتْ أَحْسَنَ الْقَصَصِ؟.
وَاَلَّذِينَ يَجْعَلُونَ قِصَّةَ يُوسُفَ أحْسَنَ الْقَصَصِ:
أ - مِنْهُم مَن يَعْلَمُ أنَّ "الْقَصَصَ" بِالْفَتْحِ هُوَ النَّبَأُ وَالْخَبَرُ، ويقُولُونَ: هِيَ أَحْسَنُ الْأَخْبَارِ وَالْأنْبَاءِ.
ب- وَكَثِيرٌ مِنْهُم يَظُنُّ أَنَّ الْمُرَادَ أَحْسَنُ الْقِصَصِ بِالْكَسْرِ، وَهَؤُلَاءِ جُهَّالٌ بِالْعَرَبِيَّةِ.
وَكلَا الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: (أَحْسَنَ الْقَصَصِ) قصَّةَ يُوسُفَ وَحْدَهَا، بَل هِيَ مِمَّا قَصَّهُ اللهُ، وَمِمَّا يَدْخُلُ فِي أَحْسَنِ الْقَصَصِ.
وَمِن الْمَعْلُومِ أَنَّ قِصَّةَ مُوسَى وَمَا جَرَى لَهُ مَعَ فِرْعَوْنَ وَغَيْرِهِ أَعْظَمُ وَأشرَفُ مِن قِصَّةِ يُوسُفَ بِكَثِيرِ كثِيرٍ، وَلهَذَا هِيَ أَعْظَمُ قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ الَّتِي تُذْكَرُ فِي الْقُرْآنِ، ثَنَّاهَا اللهُ أَكْثَرَ مِن غَيْرِهَا وَبَسَطَهَا وَطَوَّلَهَا أَكْثَرَ مِن غَيْرِهَا، بَل قَصَصُ سَائِرِ الْأنْبِيَاءِ -كَنُوحِ وَهُودِ وَصَالِحٍ وَشُعَيْبٍ وَغَيْرِهِمْ مِن الْمُرْسَلِينَ- أَعْظَمُ مِن قِصَّةِ يُوسُفَ. وَلهَذَا ثَنَّى اللهُ تِلْكَ الْقَصَصَ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يُثَنّ قِصَّةَ يُوسُفَ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَن قَوْلَهُ: {أَحْسَنَ الْقَصَصِ} قَد قِيلَ إنَّهُ مَصْدَرٌ، وَقِيلَ إنَّه مَفْعُولٌ بِهِ، وَالْقَوْلَانِ مُتَلَازِمَانِ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْقَصَصَ مَفْعُولٌ بِهِ، وَإِن كَانَ أَصْلُهُ مَصْدَرًا، فَقَد غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَقْصُوصِ، كَمَا فِي لَفْظِ الْخَبَرِ وَالنَّبَأِ، وَالِاسْتِعْمَالُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
فَلَيْسَ هُوَ قِيَاس مَصْدَرِ الْمُضَعَّفِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا عَلَى كَوْنِهِ مَصْدَرًا إلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute