للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

إبْدَائِهَا إذَا لَمْ يَكُن فِي ذَلِكَ مَحْذُورٌ آخَر (١)؛ فَإنَّ هَذِهِ لَا بُدَّ مِن إبْدَائِهَا، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَن أَحْمَد.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ مِن الزّينَةِ الظَاهِرَةِ، وَهِيَ الرِّوَايَة الثَّانِيَةُ عَن أَحْمَد، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِن الْعُلَمَاءِ كَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ.

وَأَمَرَ سُبْحَانَهُ النِّسَاءَ بِإِرْخَاءِ الْجَلَابِيبِ لِئَلَّا يُعْرَفْنَ وَلَا يُؤْذَيْنَ، وَهَذَا دَلِيل عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ.

وَثَبَتَ فِي "الصَّحِيحِ": أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُحْرِمَةَ تُنْهَى عَن الِانْتِقَابِ وَالْقُفَّازَيْنِ.

وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النِّقَابَ وَالْقُفَّازينِ كَانَا مَعْرُوفَيْنِ فِي النّسَاءِ اللَّاتِي لَمْ يُحْرِمْنَ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي سَتْرَ وُجُوهِهِنَّ وَأَيْدِيهِنَّ.

وَالْحِجَابُ مُخْتَصّ بِالْحَرَائِرِ دُونَ الْإِمَاءِ، كَمَا كَانَت سُنَّةُ الْمُؤْمِنِينَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَخُلَفَائِهِ أَنَّ الْحُرَّةَ تَحْتَجِبُ وَالْأَمَةُ تَبْرُزُ، وَكَانَ عُمَرُ رحمه الله إذَا رَأَى أَمَةً مُخْتَمِرَةً ضَرَبَهَا وَقَالَ: أَتتشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ؟

فَيَظْهَرُ مِن الْأَمَةِ رَأسُهَا ويدَاهَا وَوَجْهُهَا.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٦٠)} [النور: ٦٠]، فَرَخَّصَ لِلْعَجُوزِ الَّتِي لَا تَطْمَعُ فِي النِّكَاحِ أَنْ تَضَعَ ثِيَابَهَا فَلَا تُلْقِي عَلَيْهَا جِلْبَابَهَا وَلَا تَحْتَجِبُ، وإن كَانَت مُسْتَثْنَاة مِن الْحَرَائِرِ (٢)؛ لِزَوَالِ الْمَفْسَدَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي غَيْرِهَا، كَمَا اسْتَثْنَى التَّابِعِينَ غَيْرَ أُولي الْإِرْبَةِ مِن الرِّجَالِ فِي إظْهَارِ الزِّينَةِ لَهُمْ؛ لِعَدَمِ الشَّهْوَةِ الَّتِي تَتَوَلَّدُ مِنْهَا الْفِتْنَةُ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ إذَا كَانَ يُخَافُ بِهَا الْفِتْنَةُ كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تُرْخِيَ مِن جِلْبَابِهَا وَتَحْتَجِبَ وَوَجَبَ غَضُّ الْبَصَرِ عَنْهَا وَمِنْهَا.


(١) كان يكون الثوب مُعطّرًا، أو ضيقًا أو شفافًا، أو فتنة.
(٢) أي: القواعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>