للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨٩)} [آل عمران: ٨٦ - ٨٩].

وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتهُم قَد ذَكَرُوا فِيهِمْ أَقْوَالًا:

قِيلَ: لِنِفَاقِهِمْ.

وَقِيلَ: لِأَنَّهُم تَابُوا مِمَّا دُونَ الشِّرْكِ وَلَمْ يَتُوبُوا مِنْهُ.

وَقِيلَ: لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُم بَعْدَ الْمَوْتِ.

وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ -كَالْحَسَنِ وقتادة وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ والسدي-: لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُم حِينَ يَحْضُرُهُم الْمَوْتُ، فَيَكُونُ هَذَا كَقَوْلِهِ: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} [النساء: ١٨].

فَقَوْلُهُ: {ثُمَّ ازْدَادُوا} بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الْقَائِلِ: ثُمَّ أَصَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ وَاسْتَمَرُّوا عَلَى الْكفْرِ وَدَامُوا عَلَى الْكُفْرِ، فَهُم كَفَرُوا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ، ثُمَّ زَادَ كُفْرُهُم مَا نَقَصَ، فَهَؤُلَاءِ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ، وَهِيَ التوْبَةُ عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ مَن تَابَ قَبْلَ حُضُورِ الْمَوْتِ فَقَد تَابَ مِن قَرِيبٍ وَرَجَعَ عَن كُفْرِهِ، فَلَمْ يَزْدَدْ بَل نَقَصَ (١)؛ بِخِلَافِ الْمُصِرِّ إلَى حِينِ الْمُعَايَنَةِ، فَمَا بَقِيَ لَهُ زَمَانٌ يَقَعُ لِنَقْصِ كُفْرِهِ، فَضْلًا عَن هَدْمِهِ.

وَفي الْآيَةِ الْأخْرَى قَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} [النساء: ١٣٧] قِيلَ: لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا تَابَ غُفِرَ لَهُ كُفْرُهُ، فَإِذَا كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَاتَ كَافِرًا حَبِطَ إيمَانُهُ، فَعُوقِبَ بِالْكُفْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي.


(١) والله تعالى قال: ثم ازدادوا كفرًا، فمن تاب قبل الاحتضار فقد نقص كفره بل انمحى وزال، فليس هناك توبة لا ينقص معها الكفر إلا توبة المحتضر، الذي عاين الموت ويئس من الحياة.

<<  <  ج: ص:  >  >>