للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فَلَو قَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا}، {ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} [النساء: ١٣٧]: كَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ (١) ذَكَرَهُم فِي آلِ عِمْرَانَ فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} [آل عمران: ٩٠] (٢)؛ بَل ذَكَرَ أنَّهُم آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمنُوا بَعْدَ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمُرْتَدُّ التَّائِبُ؛ فَهَذَا إذَا كَفَرَ وَازْدَادَ كُفْرًا لَمْ يُغْفَرْ لَهُ كُفْرُهُ السَّابِقُ أَيْضًا، فَلَو آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمنُوا لَمْ يَكُونُوا قَد ازْدَادُوا كُفْرًا (٣)، فَلَا يَدْخُلُونَ فِي الْآيَةِ.

وَالْعُقُوبَاتُ الَّتِي تُقَامُ مِن حَدٍّ أو تَعْزِيرٍ:

أ - إمَّا أَنْ يَثْبُتَ سَبَبُهَا بِالْبَيِّنَةِ، مِثْل قِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِأنَّهُ زَنَى أو سَرَقَ أَو شَرِبَ، فَهَذَا إذَا أَظْهَرَ التُّوْبَةَ لَمْ يُوثَقْ بِهَا، وَلَو دُرِئَ الْحَدُّ بِإظْهَارِ هَذَا: لَمْ يُقمْ حَدٌّ؛ فَإنَّهُ كُلُّ مَن تُقَامُ عَلَيْهِ الْبَيِّنةُ يَقُولُ: قَد تُبْت.

وإِن كَانَ تَائِبًا فِي الْبَاطِنِ: كَانَ الْحَدُّ مُكَفِّرًا، وَكَانَ مَأْجُورًا عَلَى صَبْرِهِ.

ب- وَأمَّا إذَا جَاءَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَاعْتَرَفَ وَجَاءَ تَائِبًا: فَهَذَا لَا يَجِبُ أنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ أَحْمَد، نَصَّ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَهِيَ مِن مَسَائِلِ التَّعْلِيقِ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهَا الْقَاضِي بِعِدَّةِ أَحَادِيثَ، وَحَدِيثُ الَّذِي قَالَ: "أصَبْت حَدًّا فَأقِمْهُ عَلَى فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ": يَدْخُلُ فِي هَذَا؛ لِأنَّهُ جَاءَ تَائِبًا، وَإِن شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا شَهِدَ بِهِ مَاعِزٌ والغامدية وَاخْتَارَ إقَامَةَ الْحَدِّ: أقِيمَ عَلَيْهِ، وإِلَّا فَلَا.


(١) أي: لكان هؤلاء هم نفسهم المذكورين في سورة آل عمران.
(٢) يعني: لو أنهم ارتدوا مرةً واحدة وازدادوا كفرًا: لقيل فيهم ما قيل في الآية الأولى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ}.
لكنهم ارتدوا مرتين ثم ازدادوا كفرًا، فالحال هناك مُختلف، فيكون معنى قوله: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ}؛ أي: لم يكن ليغفر لهم توبتهم السابقة.
وهو تعالى لم يذكر أنه لن يقبل توبتهم، بل ذكر أنه لم يكن ليغفر لهم.
(٣) بل نقص وزال كفرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>